بعد أشهر طويلة من الصراع على الحصص، ولدت حكومة عهد ​الرئيس ميشال عون​ الأولى التي كان ينتظرها بعد إنجاز الإنتخابات النيابيّة، لكن الأكيد أن الكثير من الأسئلة ستبقى من دون أجوبة، لاسيّما لناحية موعد ​الولادة​، نظراً إلى أن الصيغ التي تمّ الإتفاق عليها لمعالجة العقد كانت حاضرة دائماً.

العقدة الأبرز، بعد حلّ العقدتين الدرزيّة والمسيحيّة، كانت عقدة تمثيل "​اللقاء التشاوري​"، والتي كان من الممكن معالجتها قبل نهاية العام 2018، نتيجة المبادرة التي كان يقودها المدير العام للأمن العام ​اللواء عباس ابراهيم​، قبل أن يؤدّي الخلاف على موقع الوزير المنتظر إلى إجهاضها، في حين برز في الوقت عينه الخلاف على توزيع الحقائب، في ظلّ إصرار "​التيار الوطني الحر​" على الاحتفاظ بحقيبة ​البيئة​.

في الأيام الماضية، كان ​رئيس الجمهورية​ العماد ميشال عون ورئيس ​الحكومة​ المكلّف ​سعد الحريري​ مصرّان على إنجاز التشكيلة الحكوميّة، بالتعاون مع باقي الأفرقاء لا سيّما "​حزب الله​" ووزير الخارجيّة والمغتربين في حكومة ​تصريف الأعمال​ ​جبران باسيل​، حيث لعب الحزب دورا بارزاً في إقناع النواب السنّة المستقلّين بالصيغة التي تمّ الإتفاق عليها لتمثيلهم، في حين قدّم حزب "القوات اللبنانية" تنازلا جديدا تمثّل بالتخلي عن حقيبة الثقافة، التي ذهبت إلى" ​حركة أمل​"، مقابل الحصول على وزارة الدولة للتنمية الإدارية.

في هذا السيّاق، تشير مصادر مطّلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ ما تم الاتفاق عليه كان من الممكن الوصول إليه قبل فترة طويلة، إلا أنّ لعبة المزايدات أدّت إلى التأخير الذي حصل، مع العلم أن نتائجه كانت كارثيّة وكان من الممكن أن تكون أكبر فيما لو تأخّر التشكيل أكثر.

وتلفت المصادر نفسها إلى أنه منذ نحو 10 أيام كان هناك معلومات لدى بعض الأوساط بأنّ الحكومة من المفترض أن تولد خلال أيام، وإلا الأمور ذاهبة نحو الأسوأ، مذكّرة بكلام وزير الماليّة العامة في حكومة تصريف الأعمال ​علي حسن خليل​ بعدم قدرة بعض الوزارات على الإنفاق.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ هذا الواقع، بالإضافة إلى التحذيرات الدوليّة المتصاعدة، من دون تجاهل التهديدات الإسرائيليّة المتكررة، دفعت بجميع الأفرقاء للعودة إلى الخيارات العقلانيّة، من دون تجاهل التحوّلات المتصاعدة على الساحة السوريّة، خصوصاً مع بدء الانعطافة الدوليّة نحو دمشق.

على صعيد متصل، تشير مصادر نيابيّة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الصيغة الحكوميّة جاءت في نهاية المطاف على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وتؤكّد بأنّ أيّ جهة لا يمكن أن تقول أنها حقّقت كل ما كانت تطمح إليه، نظراً إلى أنّ التنازلات كانت متبادلة، وترى أنّ ما حصل من المفترض أن يكون نموذجا لأيّ عمليّة تفاوضيّة في المستقبل.

على الرغم من ذلك، تعرب المصادر نفسها عن أملها ألاّ تنعكس الصراعات التي رافقت عمليّة التشكيل على عملها، إلا أنّها تؤكد أنّ هذا الأمر مستبعد، لا سيما أن معظم الأفرقاء يضعون نصب أعينهم استحقاقات مستقبليّة، مثل ​الانتخابات​ الرئاسيّة المقبلة.

في المحّصلة، ولدت حكومة العهد الأولى بعد طول انتظار، وفي حين من المتوقع ألاّ يتأخر الاتفاق على بيانها الوزاري، تنتظرها الكثير من الملفّات الهامة، على أمل أن تنجح في إنجازها بعيداً عن لعبة المزايدات.