لم يعد تأليف الحكومات في ​لبنان​ أمراً سهلاً. يقضي رئيس ​الحكومة​ المكلّف أشهراً طويلة ينتظر تسهيل القوى لعملية التأليف، ثم يتعب الكلّ بعد إستنزاف يطال المعنيين بالشركة الحكومية، فيُطلّ الحلُّ بين ليلة وضحاها، مسبوقاً بإشارات خارجية تستعجل، أو تحث، أو تدفع الولادة الحكومية في لبنان. يتكرر هذا المشهد، كل ثلاثة اعوام أو اكثر أو أقل.

لكن المعنيين لم يجدوا مردّ التأخير لعوامل خارجية، بقدر ما هي نتيجة سباق على الحصص بين القوى السياسية، تتخذ احيانا غلافات الطائفية او المذهبية او المناطقية او الحزبية شعارات لحسابات المكاسب.

اما وقد تألّفت الحكومة، هل تتآلف فيما بينها؟ سؤال يفرض نفسه في الكواليس السياسيّة، خصوصا انها مليئة بالتناقضات، في صورة تعكس واقع المشهد اللبناني. اذا كانت الخلافات السياسية طبيعية في اطارها الديمقراطي، وليست جديدة، ولا طارئة على لبنان، فهل تنعكس على انتاجية الحكومة؟.

سيحلّ الخلاف حول كيفيّة تنفيذ المشاريع الآتية جرّاء مؤتمر "سيدر"، والتعيينات في المراكز الشاغرة الكثيرة، وحول معالجة ازمات في ​الكهرباء​ مثلا. سنعود الى التباينات. تلك مسائل اعتاد عليها ​اللبنانيون​. لكن، لم يعد المواطن قادرا على تحمل المماطلة ولا تأخير المعالجات. لا يكفي رمي المسؤوليات في ملاعب بعضهم البعض. ما يطلبه اللبنانيون هو المعالجة السريعة، لأنّ ​الوضع الاقتصادي​ لا يحتمل التأخير. فالأزمات تتلاحق على كل صعيد.

هل يعود الخلاف بين حزبي "​القوات​" و"الوطني الحر" حول البواخر؟ لم تتغير الصيغة، ولا تبدّل السيناريو. المشهد هو ذاته الذي كان حاضرا في الحكومة السابقة. المهم: أين ستكون الاصطفافات؟ لا يبدو ان توزيع الحكومة يعني غلبة فريق على آخر. فالتحالفات متشابكة، و"عالقطعة". قد يتفق وزراء "​حزب الله​" مع وزراء "القوات" ضد رأي "الوطني الحر" مثلا. او قد يتباين رأي وزراء حركة "أمل" مع "​التقدمي الاشتراكي​"، رغم التفاهم السياسي العملي بين قيادتيهما. لمَ لا ؟ كل شيء وارد في الحكومة العتيدة.

لم يعد بإمكان الأحزاب تأجيل المطالب الشعبيّة، فيما الامكانات محدودة.

فإذا كانت الرغبة بتحقيق الاصلاح سريعة، فإن ​مجلس الوزراء​ قادر على ملء الشواغر الوظيفيّة، واتمام التعيينات الاداريّة، وتجديد مجالس الادارة بدءا من ​مؤسسة كهرباء لبنان​. والتفرغ لمعالجة الهدر و​مكافحة الفساد​ من اعلى الهرم، الى اسفله. فهل نشهد على محاسبة مسؤول؟ او فرض اعادة اموال مهدورة الى خزينة الدولة؟.

هل تجري مساءلة موظف عالي المقام: من أين لك كل هذا؟.

لن تنفع أي إجراءات أقلّ. لأنّ الحكومة ستكون مضطرة الى المضي بتدابير غير شعبيّة، لتغذية الخزينة بإيرادات بعد ازدياد ​العجز المالي​.

فإذا اتخذت تلك التدابير من دون خطوات يرضى عنها الشعب، بدءا من وقف الهدر، ومنع التهرب الجمركي والضريبي، لن يضمن أحد توقّع ردّات الفعل.

واذا كانت قوى تعوّل على حجم التمثيل السياسي للحكومة، بإعتبارها تمثّل معظم الاحزاب والتيارات في البلد القادرة على ضبط جماهيرها، فإنّ ​الفقر​ الذي يتدرّج اليه اللبنانيون، جرّاء قلّة فرص العمل وارتفاع نسبة ​البطالة​ وعدم قدرة السوق العربي على استيعاب اليد العاملة اللبنانية، كما كان يحصل سابقا، مقابل ​الغلاء المعيشي​، واقفال المؤسسات لأبوابها، او تخفيض اعداد الموظّفين. كلها عوامل ستؤدّي الى الانفجار الشعبي، كما حصل في دول عدّة، ومن بينها حراك "السترات الصفر" في ​فرنسا​، حيث لا احزاب ولا نقابات قادت التحركات.

عندها سيكون عمر الحكومة قصيرا، لأن من يحدّد بقاءها او استقالتها هو عملها وردّات الفعل الشعبيّة بشأنها. وفي حال استطاعت تحقيق انجازات، ستضمن الاستمراريّة حتى موعد ​الانتخابات​ النيابيّة بعد ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، تلازم العهد الرئاسي في كل مسيرته المتبقيّة.