كان من المتوقع أن تستمر السجالات التي رافقت عمليّة ​تشكيل الحكومة​ في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الكثير من الأفرقاء كانوا يضعون نصب أعينهم إستحقاقات دستوريّة مقبلة، مثل الإنتخابات النيابيّة المقبلة وأيضاً الإنتخابات الرئاسيّة في العام 2022، إلا أنّ المستغرب أن تكون الشرارة الأولى من رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​، خصوصاً أنّها موجّهة بشكل أساسي ضد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​.

على الرغم من موقفه المتشدّد، خلال مرحلة الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، في وجه كل من "​التيار الوطني الحر​"، الذي قرّر خوض مواجهة ضدّه في دائرة الشوف-عاليه، وتيار "المستقبل" الذي كان حليفاً له في أكثر من دائرة، كان رئيس "الإشتراكي" أول المبادرين إلى تقديم التنازلات في مرحلة تأليف الحكومة، خصوصاً لدى بروز العقدة الدرزيّة، عبر الموافقة على مبادرة تقديم لائحة بعدّة أسماء، إلى جانب رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" النائب ​طلال أرسلان​، لكن جنبلاط، على ما يبدو، لم يكن يتوقّع أن يتمّ إختيار الوزير الدرزي الثالث من اللائحة المقدّمة من أرسلان، ولا أن توكل إلى هذا الوزير، ​صالح الغريب​، وزارة الدولة لشؤون النازحين.

في العلن، يرفع رئيس "الإشتراكي" في المواجهة التي قرر الدخول فيها لواء الحفاظ على ​إتفاق الطائف​، مبدياً الحرص على هذا الإتفاق نتيجة ما يعتبره تجاوزات إنطلاقاً من فرض أعراف جديدة، إلا أن مصادر سياسيّة مطّلعة تعتبر، عبر "النشرة"، أنّ مشكلة جنبلاط هي في مكان آخر، تتعلّق بشكل أساسي بدوره في المعادلة المحليّة، خصوصاً أنّ الرجل في مرحلة نقل الزعامة العائليّة والحزبيّة إلى نجله رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب تيمور جنبلاط، مع العلم أن الأخير لم يظهر حتى الساعة نجاحاً لافتاً في تولّي هذه المسؤوليّة، الأمر الذي يفرض على والده خوض المواجهات بشكل مباشر.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ رئيس "الإشتراكي" لم يتقبّل حتى الآن التحول الذي لحق بدوره بعد التسوية الرئاسيّة بين "التيّار الوطني الحر" وتيّار "المستقبل"، الّذي قرّر متأخراً الإلتحاق بها عبر التصويت لرئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ في الإنتخابات الرئاسيّة، على عكس موقف رئيس المجلس النيّابي نبيه بري وباقي الأفرقاء الذين كانوا يفضّلون خيار رئيس تيّار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجيّة، وتوضح أن جنبلاط كان قبل هذه التسوية يلعب دور "بيضة القبّان"، بينما هو في المرحلة الممتدّة من العام 2005 حتى أحداث السابع من أيار من العام 2008 كان يقود "ثورة الأرز".

في هذا الإطار، تؤكّد هذه المصادر أنّ جنبلاط يعاني من أزمة تراجع دوره في التركيبة المحليّة، نتيجة التوازنات الجديدة التي تحكم اللعبة السياسيّة في البلاد، الأمر الذي يفرض عليه رفع السقف عالياً، لكنها ترى من جهة ثانية أنّ الرجل يعتقد أن هناك مواجهة تفرض عليه في معقله الأساسي، أيّ الجبل، خصوصاً بعد بروز كتلة نيابيّة برئاسة النائب أرسلان، بالتحالف مع "التيّار الوطني الحر"، بالإضافة إلى كتلة وزاريّة تتمثل في وجود وزيرين في الحكومة الجديدة، من الدائرة نفسها، من خارج خطّه السيّاسي، هما، بالإضافة إلى الغريب، وزير شؤون المهجّرين ​غسان عطالله​، الّذي خاض في الإنتخابات النيابيّة معركة في وجه مرشح "اللقاء الديمقراطي" النائب نعمة طعمة.

على الرغم من ذلك، تلفت المصادر السياسيّة المطّلعة إلى أنّ المعركة الأبرز التي تقلق رئيس "الإشتراكي" إقليميّة بالدرجة الأولى، وهو نفسه يروّج لها من خلال التركيز على الدور السوري في كلّمواقفه، لا سيما مع عودة العلاقة بين أرسلان ورئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق ​وئام وهاب​ بعد حادثة الجاهليّة، والتي من المتوقع أنْ تُتَرجم عبر مشروع سياسي معارض يحمل اسم "لقاء خلدة"، وتشير إلى أن تركيز جنبلاط على الوزارة التي حصل عليها ممثل رئيس "الديمقراطي اللبناني" في الحكومة، شؤون النازحين، يعود إلى تخوّفه من أن تكون باباً أمام الدروز اللبنانيين نحو ​سوريا​.

في المحصّلة، قرّر جنبلاط، على ما يبدو، الدخول في مواجهة مفتوحة، عنوانها المعلن الدفاع عن إتّفاق الطائف، إلا أنّ هدفها الأساسي هو الحفاظ على دوره في الحياة السياسيّة، بعد أنْ شعر بأنه بات وحيداً، وهو سبقَ أنْ ألمح إلى ذلك، عبر وسائل التواصل الإجتماعي، عند خلافه مع "التيّار الوطني الحر" على التمثيل في الحكومة.