لن تحظى الحكومة الجديدة بـ«مهلة السماح» التي تُمنح في العادة للحكومات بعد تشكيلها، فلا الوقت الطويل الذي تمّ إهدارُه على التأليف، ولا ضغط الأزمات المتراكمة، يسمحان بـ«ترف» الخوض في الاختبارات أو المرور بمرحلة «الروداج». وعليه، سيجد الوزراء أنفسَهم تحت المجهر منذ لحظة «التسليم والتسلّم»، خصوصاً أولئك الذين كُلّفوا حقائبَ حيويّة وأساسية.

يعرف رئيس الجمهورية ميشال عون أنّ الأشهر التسعة التي ضاعت في بازار التفاوض حول الحصص تركت ندوباً على جسم العهد واستنزفت جزءاً من رصيده.

ولذلك، يوحي عون أمام بعض زواره في قصر بعبدا، أنّ تشكيل الحكومة بعد انتظار مرير ومُكلف كاد يستغرق عاماً، لا يستحق الإحتفال بل الإعتذار، وعندما يبادر المسرورون بولادة الحكومة الى تهنئته، قائلين له «مبروك»، يجيب عون مصحِّحاً: «لا تقولوا مبروك، بل الحمدالله على السلامة»..

يسكن هاجس محاربة الفساد «خلايا» عون النائمة والمستيقظة في هذه الأيام، وهو أبلغ الى قريبين منه «أنّ الوضع لم يعُد يتحمّل»، وأنه يعوّل على الحكومة الجديدة والقضاء «لتحقيق نقلة نوعية في معركة مكافحة الفساد»، معتبراً «أنّ كل وزير سيكون معنياً بخوض هذه المعركة في وزارته»، ومشيراً الى أنّ المؤتمر القضائي الذي سيُعقد قريباً «يشكل محطة اساسية في اتّجاه تفعيل أدوات الإصلاح».

وعون الذي تمسّك بالإبقاء على حقيبة وزارة العدل ضمن حصته ورفض تجييرها الى «القوات اللبنانية»، يراهن على أن ينجح الوزير «البرتقالي» البرت سرحان في إدارة الوزارة، «بطريقة تلبّي متطلبات المواجهة الصعبة ضد الفساد ورموزه».

ولكن ماذا يقول سرحان عن هذه المهمة الدقيقة، وهل هو جاهز لخوضها؟

يؤكد وزير العدل الجديد لـ«الجمهورية» جهوزيّته لتحمّل أعباء هذا التحدي، لافتاً الى «أنّ إلغاءَ وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد مرتبطٌ بعدم وجود هيكلية أو صلاحيات لها، ولا يعني بتاتاً أنّ العهد تخلّى عن مشروعه الإصلاحي، بل هو متمسّك به أكثر من أيِّ وقت مضى»، مشدّداً على «أنّ رئيس الجمهورية يعتبر انّ كل وزير مسؤول عن مكافحة الفساد في وزارته».

ويوضح سرحان أنه سيلجأ الى تفعيل دور وزارته، لجهة الإحالات الى النيابات العامة وتعزيز التعاون والتنسيق مع أجهزة الرقابة والأجهزة الامنية، «علماً أنّ هناك مصاعب تواجهنا وسنحاول تذليلها، من قبيل الحصانات الوظيفية التي يتلطّى خلفها الفاسدون والمرتكبون نتيجة رفض المسؤولين عنهم إعطاء الإذن بملاحقتهم، كما أنّ هناك شواغر موجودة وأخرى مرتقبة في الوزارة والقضاء سنسعى الى ملئها بالاشخاص المناسبين حتى ننطلق بطريقة صحيحة، إذ إنّ المدير العام والمدّعي العام التمييزي ورئيس مجلس الشورى سيُحالون تباعاً الى التقاعد قريباً، كذلك يوجد شغور منذ فترة في بعض المراكز»..

ويلفت الى أنه يعرف أنّ وزارة العدل موجودة تحت المجهر، «وأنا سأتحمّل مسؤولياتي كاملة وسأؤدّي واجباتي كما يمليها علي ضميري، ولن أخضع الى أيِّ ضغط سياسي من أيِّ جهة أتى».

ويضيف: «لديّ خبرة 40 عاماً في العمل القضائي، اكتسبتُ خلالها مناعة ضد التدخلات السياسية، ولذلك لن أتأثر بالضغوط أيّاً كانت أنواعها».

لكنّ سرحان يشدّد كذلك على «ضرورة التمييز بين الشجاعة والتهوّر»، مشيراً الى أنه اكتسب من خلال تجاربه ما يكفي من الحكمة ليتّخذَ خطواتٍ مدروسة ومتّزنة وليتحرّك بين النقاط والالغام، وصولاً الى تحقيق الاهداف المرجوّة في نهاية المطاف، ومؤكّداً انه يُغلّب في عمله المعايير القضائية والمهنية على ما عداها.

وإذ يوضح سرحان أنه يعتزّ بعلاقته مع القضاة والقائمة على الثقة المتبادَلة، يلفت الى أنه «ستكون لديهم كل الاستقلالية والحرية ولن أتدخّل في تفاصيل ملفاتهم وأحكامهم، بل سأتركهم يشتغلون، لكنني سأمارس الرقابة والمحاسبة ولن أتهاونَ إذا وقع خلل أو ارتكاب، وهم يعرفونني جيداً وقد تلقيتُ بعد تعييني وزيراً، إتّصالات من قضاة كثر وضعوا أنفسَهم في تصرّف وزارة العدل».