لم يعد خافيا على أحد أننا نعيش اليوم في الزمن العوني. رئاسة الجمهورية بيد العماد ​ميشال عون​ منذ أكثر من عامين، تكتل "لبنان القوي" هو الأكبر نيابيا منذ أيار الماضي، وها هو رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ يستحوذ أخيرا على ما هو أكثر من الثلث المعطل حكوميا. فعن أي معادلة "لا غالب ولا مغلوب" يتحدثون؟ في لبنان اليوم طرف رابح بالسياسة، يستثمر انتصاره وطرف خاسر سيكون مضطرا شاء أو أبى للرضوخ لشروط المنتصر.

ولعل رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، الخاسر الأكبر في ​الانتخابات النيابية​، كان الأسرع في الالتحاق في صفوف الرابحين باعلان تمسكه بالتسوية السياسية مع "التيار الوطني الحر" وبسعيه الدؤوب لتمتين علاقته برئاسة الجمهورية وبـ"العونيين"، وقد ظهر ذلك جليًّا في الأشهر الأخيرة من عملية ​تشكيل الحكومة​ حين لم يمانع تسليم الوزير جبران باسيل دفة التأليف ومن بعدها استحواذه على الثلث المعطل وأكثر. لكن قوة باسيل لا يستمدها من الحليف السني حصرا بل وبشكل أساسي من حليفه الشيعي أي ​حزب الله​. فرغم كل "الطلعات والنزلات" التي شهدتها العلاقة بينهما في الأشهر الماضية، جاءت اطلالة أمين عام الحزب ​السيد حسن نصرالله​ لتدحض أخيرا كل ما حُكي عن امتعاضه من آداء ومواقف باسيل الأخيرة، وقد بدا ذلك جليا بحديثه عن ثقة وصداقة بينه وبين ووزير الخارجية وذهابه أبعد من ذلك بالثناء على مواقفه وحركته.

اذا متسلحا بتأييد سني وشيعي واسع، يقود باسيل المركب اللبناني في السنوات الـ4 المقبلة بأكثرية نيابية ووزارية وببركة رئاسة الجمهورية، "ليتبين بعد التدقيق ان خطته قد تكون أبعد من الاتهامات التي تساق اليه بتسخير العهد الحالي لتعبيد طريقه الى قصر بعبدا، خاصة وبعدما بات الدور الذي يلعبه يتخطى دور رئيس الجمهورية الى "دينامو" الحياة السياسية اللبنانية"، على حد تعبير مصدر سياسي.

لكن طريق باسيل لن تكون معبدة بالورود في السنوات المقبلة تماما كما لم تكن كذلك في الأشهر الماضية. فالمواجهة المفتوحة بينه وبين رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ كما بينه وبين رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط​ تتجه الى مزيد من الاحتدام. ويشير المصدر الى ان الوزير باسيل "حاول كسب ود الرجلين في المرحلة التي تلت الانتخابات سعيا منه لاعطاء مزيد من الزخم لعهد الرئيس عون والتأسيس لأرضية مناسبة لاطلاق عمل حكومي منتج، الا أن الأجندات المختلفة تماما كما الرؤى والمصالح، أدت الى فشل كل هذه المساعي واستعار المواجهة من جديد".

ولم يتأخر وزير الخارجية في استخدام أسلحته الثقيلة في صدامه مع رئيس "التقدمي الاشتراكي". فتبنى معركة رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" ​طلال ارسلان​ دافعا باتجاه توزير احدى الشخصيات التي يسميها، وهو ما حصل فعليا مؤخرا مترافقا مع نشوء جبهة درزية معارضة لزعيم المختارة الذي بات يشعر أنه مستهدف من الداخل والخارج، على حد تعبير مقربين منه، باشارة الى الثنائي رئيس الحكومة–وزير الخارجية و​سوريا​.

بالأمس كانت معركة باسيل تنحصر بشكل أساسي بتثبيت نفسه زعيما لـ"التيار الوطني الحر" بعد انتخاب العماد ميشال عون كرئيس للجمهورية وكل ما رافق تلك المرحلة من معارضة حزبيّة داخليّة. أما اليوم فعين رئيس "التيار" على ما هو أبعد من كل ما يحصل...