الحكومة هي فريق عمل واجبه تحقيق تطلعات الشعب، تُشكّل بناء على تفاهمات سياسيّة أولا، واتفاق على برنامج عمل ثانيا. هكذا هو الحال في أغلب دول العالم، ولكن ليس في لبنان. الحكومة في لبنان تعاني لكي تتشكّل، والاتفاق حولها لا علاقة له بعملها بل بالحصص داخلها، وعلى عكس باقي الدول، يتم في لبنان الاتفاق على ​البيان الوزاري​ الذي هو أساس خطّة عمل الحكومة بعد تشكيلها لا قبل. بيان تحوّل في السنوات العشر الأخيرة الى وثيقة سياسية لا تقدّم ولا تؤخّر.

تصدر البيانات الوزاريّة على شكل وثائق سياسيّة تتحدث عن العناوين العريضة لسياسة الحكومة، فتنال الثقة، وبطبيعة الحال ليس على اساس ما يصدر في البيان، بل على اساس أن مكوناتها تمثل الأغلبيّة النيابيّة، وبالتالي فالحكومة تضمن ثقة المجلس النيّابي قبل تشكيلها حتى. يُتلى البيان الوزاري في ​جلسة الثقة​ النيابيّة ويتم وضعه في الجارور المخصّص للتحف، فلا يُسأل عنه ولا عن بنوده، وعما طُبّق منه وما لم يُطبّق.

اختارت حكومة ​سعد الحريري​ الثانية عام 2016 عنوان "إستعادة الثقة"، لأنّ "الثقة حسب رئيسها هي أغلى ما يمكن أن يملكه بلدنا واستعادتها هي أسرع ما يمكن أن ننجزه"، ولم تُنجزه خلال عامين ونيّف. في البيان الوزاري السابق تحدّثت الحكومة عن تحفيز الاقتصاد، فانخفض النموّ، وتحدّثت عن الانتهاء من ملف المهجّرين تمهيدا لإلغاء الوزارة، فلم تستطع، وتحدّثت عن تعزيز دور القطاع الزراعي، وفشلت أيضا، وتحدّثت عن حل ​أزمة الكهرباء​ والماء والتلوث، والنتيجة معروفة للجميع.

يُفترض بحسب مصادر سياسيّة مطّلعة أن يكون لكلّ حكومة خطّتها للعمل، تُشكَّل، تعمل وتُحاسَب على أساسها، ولكن في لبنان وبما أنّ الخطط باتت عامّة، والمحاسبة غائبة، أصبحت كل حكومة تعود ببيانها الوزاري الى البيان الوزاري للحكومة التي سبقتها، الأمر الذي يلغي الهدف منه.

في الحكومة الحالية، يُفاخر الوزراء عند الحديث عن ملفّ حسّاس ما، بالقول "سنعود للبيان الوزاري السابق"، وفي هذه العبارة ضرب لمهمّة الحكومات، ويقول قائل أنّ البيان الوزاري بات لزوم ما لا يلزم، كون الثقة محسومة ومتابعة التطبيق غائبة، ولكن لا يمكن التخلّي عنه لأهميّته في الخطوات الدستوريّة فقط.

لا تقتصر "الفرادة" اللبنانية حكوميًّا على البيان الوزاري، بل أيضا وبحسب المصادر نفسها على مبدأ المعارضة، إذ في لبنان فقط، نجد المعارضين للحكومة، وزراء فيها. وتضيف: "يبدو رئيس اللقاء الدميقراطي ​وليد جنبلاط​ معارضًا للحكومة قبل بدء عملها أو رسم خطّتها، فهو قد أطلق سهامه عليها وهو جزء منها، كذلك لا يخفى على أحد معارضة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ورئيس ​تيار المردة​ سليمان فرنجيّة والقوّات اللبنانيّة للتسوية السياسيّة التي يقوم عليها الحكم اليوم، أي تسوية سعد الحريري-(وزير الخارجيّة) ​جبران باسيل​، انما نجد الجميع في الحكومة"، والسبب بذلك بحسب المصادر هو استحالة انتظام عمل المعارضة من خارج مجلس الوزراء، لان التركيبة اللبنانية تفرض ذلك، كما غياب التحالفات الواضحة حول كل الملفّات، إذ لا عجب على سبيل المثال أن نرى وزراء القوّات يتحالفون بملفّ ما مع وزراء ​حزب الله​.

وتضيف المصادر: "لم تنجح المعارضة يوما في ممارسة عملها من خارج الحكومة، اذ تصبح بلا جدوى ولا تتمكن من التأثير على الحكم، لا سياسيًّا ولا شعبيًّا حتى، ولعلّ التجربة الشعبيّة التي استمرّت لأكثر من 14 شهرا في العام 2006 بمواجهة حكومة فؤاد السنيورة هي خير دليل على هذا الأمر". وترى المصادر أن المعارضة في لبنان ليست معارضة شاملة، بل حسب الملفّ، كما أنّها في أغلب الأحيان ليست معارضة، ولذلك يجب أن تكون مشاركة بالحكومة.

تنال الحكومة الثّقة قريبا، وسيكون بيانها الوزاري مشابها للبيانات السابقة وسيشدد على دعم الأجهزة الأمنيّة والجيش، الإصلاحات الاقتصاديّة والإداريّة لمواكبة "سيدر"، مشاريع النمو، مواجهة أزمة ​النازحين السوريين​ عبر تأمين عودتهم الى بلادهم بغطاء المبادرة الروسيّة ورفض ​التوطين​، كما على ضرورة متابعة الملف النفطي، تأمين الكهرباء، حماية المياه، ورفع التلوّث عن ​نهر الليطاني​، دعم الزراعة والمشاريع الزراعيّة، والاستثمار باقتصاد المعرفة، وغيرها من العبارات المألوفة التي تنتهي بالتشديد على معرفة الحقيقة باغتيال رفيق الحريري ومتابعة قضية الامام موسى الصدر ورفيقيه، وحق الشعب اللبناني بتحرير أرضه بكل الوسائل الممكنة، والالتزام بالعلاقات العربيّة السليمة والمواثيق الدوليّة. ليبقى الرهان على التطبيق.