عند الثانية عشرة ظهر اليوم تتم عملية التسليم والتسلّم بين وزير الداخلية السابق ​نهاد المشنوق​ والوزيرة الجديدة ​ريا الحسن​. سبق ذلك، قرار بإزالة الحواجز الاسمنتية التي وُضعت امام الوزارة في الصنائع منذ سنوات، بعدما انتفت الاسباب الأمنية لوجودها، حسب توضيح المكتب الاعلامي للمشنوق. لكن إزالة الحواجز لن تسهّل فقط العبور الى الوزارة، بل هي تعكس في الوقت نفسه عبوراً الى مرحلة جديدة في «الداخلية».

تدخل الحسن الى الوزارة وهي تحظى بتغطية سياسية كاملة و»فائض دعم» من رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، الذي لم تكن علاقته مع المشنوق في افضل حال خلال الفترة الاخيرة. وتدرك وزيرة الداخلية الجديدة انّها امام تحدٍ مضاعف، وغير مألوف، ليس فقط لأنّ وزارتها التي تملك صلاحيات واسعة تمسك بمفاصل اساسية في الدولة، وليس فقط لأنّ ملفات هذه الحقيبة السيادية هي فائقة الحساسية، بل لأنّ الحسن تكاد تكون الممثل الشخصي للحريري في الوزارة، وبالتالي فإنّ نجاحها هو نجاح له ولرهانه وإخفاقها هو اخفاق له ولرهانه.

وتعرف الحسن انّ عليها ان تُثبت أنّ في إمكان ​المرأة​ ادارة ​وزارة الداخلية​، التي يغلب عليها الطابع الذكوري، بكفاية وحزم. وهي تبدو في هذا السياق امام احتمالين، فإمّا ان تعتمد سياسة «القبضة الحديد» من دون أي قفازات، وإمّا ان تستخدم استراتيجية «القوة الناعمة».

على المقلب الآخر من التجربة الجديدة، سيجد موظفو الوزارة أنفسهم، بكل مراتبهم ورتبهم، امام نموذج مختلف من القيادة. هذه المرّة، سيكون على الضباط والعناصر ان يؤدّوا التحيّة لإمرأة. قد يبدو الأمر صعباً لبعضهم، لكن لا خيار امامهم سوى التكيّف مع «الإدارة النسائية» للوزارة، مع ما تحمله هذه الإدارة من خصوصيات وبصمات.

لم تنتظر الحسن إنجاز مراسم التسليم والتسلّم لتبدأ مهماتها. من اللحظة الاولى لتسميتها، باشرت في الاستعداد للإختبار الاستثنائي الذي ينتظرها. وعُلم أنّها تمضي اوقاتاً طويلة في الوزارة، ضمن عملية الاستطلاع والاستكشاف، وهي حريصة منذ الأيام الاولى لتجربتها على إضفاء نوع من الوقار والهيبة على «المحيط الوظيفي» المرتبط بها في الوزارة، وكأنّها أرادت ان توصل لمن يهمّه الامر رسالة مبكرة بأنّ وجود امرأة على رأس وزارة الداخلية لا يجب ان يدفع أحدا الى الاسترخاء او الى ارتكاب أي خطأ في التقدير.

وفي المعلومات، انّ الحسن لا تكتفي بالجلوس في مكتبها، بل انها تهتم بالتنقل من حين الى آخر بين مكاتب الوزارة وأجهزتها للتدقيق في مستوى الانضباط السلوكي والانتظام الاداري، ما انعكس تهيّباً للموقف لدى الضباط والعناصر، الى درجة انّ أحدهم أبلغ الى اصدقاء له أنه لم يعد يتجرأ على التدخين العلني، خشية من اي رد فعل.

وتميل الحسن الى إجراء نوع من المسح والمراجعة لكل الملفات التي تُعنى بها الوزارة، وهي طلبت منذ وصولها الاطلاع الفوري على بعضها، في إطار التدقيق او التصويب اذا تطلب الامر ذلك، موحية أنّها لن تقبل بأي خلل. وقد فهم المعنيون منها انها «لا تريد تقطيع الرؤوس وليست في صدد تصفية حسابات مع إرث المراحل السابقة او «الحرس القديم»، الا انّها في الوقت نفسه ستتصرّف بحزم وصلابة ولن تسمح بالتجاوزات». مع الاشارة الى أنّها بدأت في تكوين فريق عمل «متخصّص» سيتولى معاونتها، ويحضر فيه العنصر النسائي بقوة.

وعليه، يمكن الافتراض أنّ الحسن نجحت في تحقيق الإنجاز الاول لها، وهو فرض الهيبة والمهابة على وزارة «الفهود» و»القوة الضاربة» وما شابه من «تسميات حديدية». إنما يبقى عليها ان تحقق الانجازات الأهم والأصعب في مواجهة تحدّيات تتصل بمصالح جميع اللبنانيين، كون الوزارة تقع على تماس مباشر مع شرائح واسعة من المواطنين، من جميع ​الطوائف​ والمذاهب، ما يضع الحسن تحت اختبار إضافي، وهو اثبات الحيادية والمناعة امام «العواطف السياسية» طوال فترة إقامتها في «الداخلية».