شاهد ال​لبنان​يون ولادة الحكومة بعد حمل تأخر تسعة اشهر من الوقت وبنسخة عادية ممكنة، حيث كان من الامكان وقف هدر الشهور لو تموضعت القوى السياسية المعنية بالتشكيل داخل احجامها التمثيلية للشعب، مخفّفة درجة حماوة رؤوسها فجنبت لبنان واللبنانيين الانتظار في تنفيذ السياسات العامة المطلوبة في تسيير شؤون البلاد والعباد محدثة خرقا في جدار الجمود الاقتصادي والمالي. ولكن اللافت السياسي في الحكومة الوليدة قيام ​حزب الله​ بتنبؤ جنس الحكومة بعدما كان الاشتباك طيلة فترة التشكيل حول ابوّتها. وفي مراجعة خطابات السيد نصرالله نجد ان اللبنانيين اعتادوا ان يختبروا مبدئيّة سماحة ​السيد حسن نصرالله​ في جميع مواقفه واعلاناته الاساسية فمنها موقفه المبدئي والتاريخي الداعم لحليفه الجنرال ​ميشال عون​ في ترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية قبل سنتين عندما اعتبره الاقوى وصاحب الحق بذلك، ولم يكن ليتزحزح عن موقفه الا في حالة تبلغه من حليفه عزوفه عن الترشح وهذا لم يحصل. وكذلك في يوم 10/11/2018 اختبر اللبنانيون السيد حسن بموقف اخر من صنو الموقف الاول، فكان إعلانه المبدئي البارز الذي شكل دعامة لتكتل نواب السنة المستقلين، ومساندته لحقهم ومطلبهم بالتمثل بالوزارة ورفضه تهميشهم واصراره على تأييده لهم، الا في حالة وحيدة عند تبلغه منهم عزوفهم عن هذا الحق او المطلب، وهذا بتقديري لم يكن ليحصل باعتبار الامر ليس استعراضيا بل كان يشكل مطلبا اساسيا، يمثل حقا لشريحة من اللبنانيين في التمثيل الحكومي المستند الى نتيجة الانتخابات اللبنانية وهذا من صلب قواعد الانظمة الساسية الديمقراطية البرلمانية، وعدم الاستجابة لطلبهم صار يهدد ​تشكيل الحكومة​ واعادها الى نقطة البداية وأخر الى الامس القريب توقيع واصدار رئيس الجمهورية للمراسيم ذات الصلة الامر الذى لم يكن يرغب به احد.

فإعلان السيد يظهر بوضوح استقامته مع نصوص ​الدستور اللبناني​ لا سيما الفقرة (د) من مقدمته التى تعتبر "ان الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر ​المؤسسات الدستورية​ وكذلك الفقرة (ي) التي تنص "بان لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. فنجد ان الشعب عندما انتخب تكتل النواب السنّة المستقلين قد اولاهم وهو مصدر السلطات الحق بالتمثل بالوزارة، كما ان الامتناع عن تسليم اسماء الوزراء لمكوّن اساسي الى رئيس الحكومة المكلف وهي سابقة سياسية لها دلالات كثيرة، حتما انه يوقف تشكيلها والا ستصبح سلطة غير شرعية في ظل الفقرة (ي) المشار اليها من مقدمة الدستور. انطلاقا من ذلك فان اعلان السيد حسن والمبادئ الاساسية التي انطوى عليها تعادل قيمته نتيجة الانتخابات البرلمانية الاخيرة لأنها تعبير عن ارادة الشعب وهو السلطة المؤسِّسَة. فلا مبالغة ان اعتبر اعلان السيد الداعم لتكتل السنّة المستقلين المثل الاعلى المشترك الذى ينبغي ان تبلغه كافة الفئات اللبنانيّة والاحزاب في احترامها لحقوق بعضها المستندة لاحكام الدستور والنصوص القانونيّة، كما يجب ان يسود ذلك المنهاج جميع افراد المجتمع وهيئاته.

فالاعلان هذا حبذا لو يصل الى مستوى اتفاقية او ميثاق يتضمن التزامات وموجبات واضحة تقيد الاحزاب السياسية اللبنانية ويحفزهم احترام الدستور. فان كان اعلان السيد حسن لا يشكل قاعدة قانونيّة، وبالتالي لا يتمتع بقوّة قانونيّة ملزمة فنجد له اساسا دستوريا، ونجد له قيمة اخلاقية ومعنوية كبيرة وقيمة سياسية مختلفة، فهو بمثابة اعلان تاريخ نهاية الصلاحيّة للسياسة اللبنانيّة التي تتغذى على التغوّل في التعنّت والعناد و​الفساد​، فشكل الاعلان المداميك الاولى لمبادئ حياة سياسيّة نظيفة ومجرّدة بين مختلف الاطياف اللبنانية تقوم على وجوب احترام حقوق المواطنين وفقا لمبدأي ​العدل​ والمساواة، وليس بعيدا ابدا عن مبدأي المراقبة والمحاسبة، لعل ذلك يساهم في تطور الحياة السياسية اللبنانية عبر الاجيال.