ثمة من يعتقد بأن الخلافات بين مكونات الحكومة من القوى السياسية لم تنتهِ بتأليف هذه الحكومة ونيل كل فريق حصته التي كان يطالب بها، لا بل إن هؤلاء يجزمون بأن الانشطار السياسي الموجود سيعكر صفو الحكومة عند أي استحقاق تقاربه، سيما ان الملفات الموروثة من الحكومة السابقة لا يوجد حولها التوافق المطلوب بل إن هذه الملفات معلقة على حبل الخلافات منذ مُـدّة طويلة وأن فتيل النزاع حولها لم يسحب حتى هذه اللحظة.

فملف ​الكهرباء​ مشروع خلاف، وكذلك الحال بالنسبة للنفايات، وخصخصة بعض القطاعات خلاف، وكذلك الحال بالنسبة لمقاربة الوضعين المالي والاقتصادي، مفهوم ​النأي بالنفس​ خلاف، وكذلك الاستراتيجية الدفاع، والسلاح والمقاومة خلاف، وكذلك العلاقة مع سوريا. ملف النازحين السوريين خلاف، وكذلك مسألة تحييد ​لبنان​ عن الصراعات العربية. إن كل موضوع من هذه المواضيع يُشكّل بذاته لغماً من الممكن ان يعترض مسيرة الحكومة التي يريدها رئيسها وغالبية المشاركين فيها حكومة انتاجية، ولذا فإن هذا الهاجس يتطلب إدراكاً مسبقاً لمخاطر أي انفجار في وجه هذه الحكومة التي كانت ولادتها متعسرة بعد تسعة أشهر من الكباش والتجاذبات، فالواقع الحالي في لبنان على كافة الصعد وفي الأولوية القطاعين المالي والاقتصادي لا يحتمل المزيد من التناحر السياسي، وقرف النّاس من الحالة التي وصلوا إليها بلغ منسوباً مرتفعاً جداً وهذا بالتأكيد لا يصب في خانة مصلحة القوى السياسية التي تعرّضت في الانتخابات النيابية الماضية إلى نوع من التشظي نتيجة هذا القرف الذي ترجم بشكل فعلي في صناديق الاقتراع، والأمر ذاته وربما أكثر سيتكرر في المرحلة القادمة فيما لو استمر السلوك السياسي على ما هو عليه في مقاربة الملفات الداخلية وتحديداً الملفات المعيشية والاجتماعية.

من المعلوم ان هذه الحكومة ستنال الثقة ربما في بحر الأسبوع المقبل، كون ان ​البيان الوزاري​ الذي ستتقدم به إلى ​مجلس النواب​ حاكه وزراء يمثلون مختلف الكتل النيابية، غير ان ذلك لا يعني أن طريق الحكومة ستكون مزروعة بالورد والياسمين ولن تكون في مواجهة أزمات طارئة، بل إنها دخلت في حقل أزمات ورثتها عن الحكومة السابقة وهي بالتأكيد لن تكون قادرة على اجتراح الحلول لسبب جوهري وواضح يقوم على كونها تتمتع بقدرة أقل من سابقتها باعتبار ان المكونات هم ذاتهم والأحزاب هي ذاتها التي كانت في الحكومة التي سبقت وبالتالي ابتداع الحلول سيكون مستعصياً وإذا حصلت أي محاولة فإنها ستكون عبارة عن مسكنات عن طريق «البندول»، وليس عن طريق العمليات الجراحية.

في اعتقاد مصادر متابعة أن حكومة «العهد الأولى» على باب الدخول إلى مرحلة لن تختلف عن مرحلة الحكومات السابقة لا سيما الأخيرة منها إن من حيث الشكل أو المضمون، فالمكونات التي تشكّل هذه الحكومة هي ذاتها وكذلك الملفات الخلافية هي ذاتها، وإذا كان هناك رغبة حقيقية في نزع صواعق ألغام الملفات المطروحة فإن ذلك يلزمه وجود حكومة ذات قدرات خارقة تستطيع اتخاذ القرارات الكبرى دون مراعاة لأي واقع سياسي أو حزبي أو مناطقي، وللأسف فإن مثل هكذا حكومة بعيدة المنال، وكذلك فإن حكومة الأقطاب غير متوافرة حالياً، وبالتالي فإن أي حكومة تشكّل في الوقت الراهن ستكون مقيدة بالطاقم السياسي ذاته، وتبقى أسيرة التجاذبات والمناكفات ذاتها.

وفي رأي هذه المصادر فإن التعويل على الحكومة العتيدة لمعالجة ما ينتظرها من ملفات فيه الكثير من المجازفة، والرهان عليها في نقل لبنان من حال إلى حال فيه استحالة وبالتالي فإن الخوف كل الخوف من ان تكون أمام الحكومة لتقطيع الوقت بانتظار جلاء غبار وضع المنطقة التي تعيش حالة من اللاتوازن واللااستقرار.

وتعرب هذه المصادر عن خوفها من ان لا يطول أمد المساكنة داخل الحكومة، في ظل انعدام الثقة الموجود بين مكوناتها، وظهرت طلائع ذلك من خلال السجال غير المألوف الذي اندلع بين الرئيس ​سعد الحريري​ والنائب ​وليد جنبلاط​ والذي وإن كان قد هدأ بعض الشيء بعد تدخل سعاة الخير فإنه يبقى جمراً تحت الرماد من الممكن ان يعود ويشتعل في أية لحظة.

وتلفت المصادر إلى ان توصيف واقع الحكومة لا يعني ​إطلاق النار​ عليها، أو وضع للعصي في عجلتها، بقدر ما هو إضاءة على أماكن وجود الألغام التي قد تعترض سبيلها والحث على التنبه المسبق لوجودها لتجنب الوقوع في أوّل مطب يصادفها.