قبل يوم واحد من تشكيل ​الحكومة​، اجتمع رئيسها ​سعد الحريري​ برئيس الحزب التقدمي الإشتراكي ​وليد جنبلاط​ في مطعم ب​الأشرفية​ للتداول بالملف الحكومي، فخرج الثاني من اللقاء متشائما، اذ لم يُبلغه الحريري بالنتائج الإيجابيّة للقاءات "​باريس​" مع رئيس التيار الوطني الحر ​جبران باسيل​. بعدها بيوم وُلدت الحكومة.

لم تكن "الحكومة" الطلقة الأولى في الحرب بين ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ و​تيار المستقبل​، بل بدأت القصة بحسب مصادر مطّلعة عند انتشار ​أخبار​ تلزيم معمل ​دير عمار​ و​مصفاة طرابلس​، مشيرة الى أن تغريدة جنبلاط في الثلاثين من الشهر الماضي كانت إعلان بداية الخلاف الذي توسع وشمل مواضيع متعدّدة كانت على ما يبدو تُثقل كاهل رئيس التقدمي.

يومها قال جنبلاط في تغريدة "سيطعن الحزب الاشتراكي في هذه التلزيمات بالتراضي التي جرت فيمايتعلق بالمصفاة وبديرعمار، وكفى استهزاء بعقول الناس حيث اصبحت البلاد وثرواتها بيد الخواجات الجدد وشركائهم من رحم الجيش الاميركي او فضلاته وحذار من تسويق سلفة جديدة للكهرباء والمصلحة تتغاضى عن 40 في المئة من الهدر".

في هذا السياق تكشف المصادر أن سبب هذا الهجوم كان امتلاك جنبلاط لدراسة خاصة تتعلق بدير عمار أعدّها له ​منير يحيى​، وتتضمن سعرا أقل بكثير من السعر الذي تم تداوله، مشيرة الى أنه اتصل بوزير الثقافة السابق ​غطاس خوري​ وأبلغه الاعتراض، فحاول خوري شرح الملفّ بتفاصيله له ولكنه لم يتمكن من إقناعه، فبدأ الخلاف.

تصاعد خلاف "الاشتراكي" و"المستقبل" بعد ​تشكيل الحكومة​ وما رافقها من مهرجانات نصر أقامها رئيس الحزب الديمقراطي ​طلال أرسلان​، والى جانبه الوزير السابق وئام وهّاب، فشعر جنبلاط بحسب المصادر أنّ الهجمة عليه تتوسّع بالوقت الذي يطلب فيه ​حزب الله​ منه التهدئة، خصوصا وأن أرسلان ووهّاب يعملان بالتنسيق مع الحزب، الأمر الذي جعل رئيس الحزب التقدّمي يستشعر هجمة سوريّة خارجيّة ولبنانيّة داخليّة عليه، ساهم بها الحريري عبر تسليم القيادي في التيار الوطني الحر ​غسان عطالله​ حقيبة حسّاسة بالنسبة اليه هي المهجرين و​صالح الغريب​ "الخصم اللدود درزيًّا" حقيبة النازحين للتضييق عليه بالجبل.

لا شك أن جنبلاط يشعر بحراجة المرحلة الحاليّة، فهو لم يشعر براحة منذ ​الانتخابات النيابية​ حتى اليوم، اذ انه بالرغم من انتصاره انتخابيًّا في معركة الجبل، لم يتمكن من ترجمة الانتصار حكوميًّا، ولكن هذا الخلاف الذي انفجر اعلاميًّا وتمدّد ليشمل التيّار الوطني الحر بعد مؤتمر باسيل الصحافي نهار السبت الماضي لم يستمرّ لفترة طويلة، أقلّه اعلاميا. وهنا ترى المصادر أن "المرحلة تتطّلب وعيًا سياسيًّا مميّزا وتهدئة قادرة على مواكبة انطلاق العمل الحكومي، لذلك كان لا بد من تدخّل "القادرين" على لعب دور جامع بين جنبلاط والحريري".

تدخّل رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ بين الرجلين عبر معاونه السياسي وزير المال ​علي حسن خليل​ الذي نقل رسالة بري للحريري طلب فيها بحسب ما تكشف المصادر تخفيف التشنّج الاعلامي، فساهم الى جانب عدد من الأصدقاء المشتركين بخلق "هدنة" إعلامية، وإطلاق عمليّة التواصل بين المعنيين بالحزبين.

وفي سياق متّصل، تكشف مصادر قياديّة في الحزب التقدمي الاشتراكي أن زيارة وزير ​الصناعة​ ​وائل أبو فاعور​ الى المملكة العربيّة السعوديّة لا علاقة لها بالخلاف المستجدّ مع الحريري، كاشفة أنها كانت محدّدة مسبقًا قبل وقوع الخلاف، وهي في سياق التواصل الدائم مع المسؤولين في المملكة. وتؤكد المصادر الاشتراكيّة أن الخلاف مع الحريري لم ينتهِ، وهو لا يتعلق بشخصه بل بطريقة إدارة الدولة، وبيعها، كاشفة أن الطرفينتوافقا على وقف السجالات من أجل الدخول في نقاش جدّي لمعالجة أسباب الخلاف، آملة ألاّ يؤثر هذا الامر على العمل داخل الحكومة.

بدأ وفد اشتراكي بجولة على المسؤولين لسؤالهم "أين أصبح ​اتفاق الطائف​"، الأمر الذي يعني أن ما يعانيه جنبلاط ليس وليد اللحظة بل يتعلّق بمصير ​الدروز​ ككل، لذلك يتحدث قياديّون في الوطني الحر عن ضرورة تبديد هواجس جنبلاط.