منذ إنتصار الثورة الإسلامية في ​إيران​، في العام 1979، يتم النظر إليها من البوابتين العسكريّة والسياسيّة، إلا أن الإنجازات التي حقّقتها لا تقتصر على هذين المجالين، بل تشمل قطاعات أخرى، أبرزها القطاع الصحّي، الذي تفاخر ​طهران​ اليوم بأنها باتت في المراتب الأولى، على المستوى ​العالم​ي، على هذا الصعيد.

إنطلاقاً من ذلك، تأتي الدعوات الإيرانية المتكررة للجانب ال​لبنان​ي للإستفادة من هذا التقدم، كما هو الحال في العديد من القطاعات، إلا أنّها حتى الساعة لا تلقى الآذان الصاغية، بالرغم من الأهميّة التي من الممكن أن تشكلها.

واقع ​القطاع الصحي

نجحت الجمهورية الإسلاميّة في إيران في تحقيق نقلة نوعيّة، بالمقارنة مع الواقع في ظل النظام السابق، على المستوى الصحّي، الأمر الذي يتمثّل في إرتفاع عدد الأطباء من 14 ألفاً و700 من ضمنهم 6 آلاف من الأجانب، قبل الثورة، إلى 140 ألفاً اليوم، في حين أن عدد قبول الطلبة الجدد في ​الجامعات​ الطبّية ارتفع من 600 في العام 1979 إلى 6100 في الوقت الراهن، بينما عدد المعاهد الطبّية الذي كان نحو 8 بات اليوم نحو 47 جامعة.

في الوقت الحالي، تملك إيران بنية تحتيّة ضخمة على المستوى الجامعي، ذات مستوى عال على الصعيد العلمي، في حين أن تكاليف الدراسة منخفضة جداً، بالمقارنة مع العديد من الجامعات على مستوى العالم، بالنسبة إلى الطالب الأجنبي الذي يريد أن يستكمل تحصيله العلمي في طهران.

وهذا الأمر، يشكل فرصة بالنسبة إلى ​الطلاب​ اللبنانيين الذين يريدون الإستفادة منها، خصوصاً أنهم لا يحتاجون إلى الحصول على تأشيرة دخول إلى إيران، كما أن تكلفة الإقامة تعتبر منخفضة، وهم يستطيعون التسجيل في مختلف الجامعات الموجودة في معظم المحافظات، نظراً إلى أنّ البعض قد يعتبر الموضوع له إرتباط طائفي أو مذهبي، فهناك جامعات موجودة في محافظات ذات أغلبية مسيحيّة أو سنّية.

على المستوى العلاجي، لدى الجمهورية قدرات كبيرة، حيث تعتبر من أبرز الدول على مستوى المنطقة، وبالتالي من الممكن الإستفادة على هذا الصعيد أيضاً، خصوصاً أنّ التكلفة منخفضة، وبعد الثورة بات هناك مستشفيات في 97% من المدن الإيرانيّة في حين كان تواجدها يقتصر على 40%، مع العلم أن عدد المدن ارتفع نحو 3 مرات.

وفيما يتعلق بالتكلفة، تشير الإحصاءات إلى أن الكشف الطبي العام يبلغ في ​المستشفيات الحكومية​ نحو 2000 ليرة لبنانيّة، بينما في ​المستشفيات الخاصة​ نحو 3500 ليرة لبنانية، بينما الكشف الطبي المختصّ، العيون على سبيل المثال، يبلغ في المستشفيات الحكومية نحو 3000 ليرة لبنانية، بينما في المسشفيات الخاصة نحو 7000 ليرة لبنانيّة، في حين أن الكلفة على من يملك تأمينا صحيا أو ضمانا إجتماعيا تبلغ نحو 600 ليرة لبنانية.

أما بالنسبة إلى كلفة السرير في المستشفيات، يمكن الحديث عن 4 مستويات، في الأعلى تبلغ في الحكومية منها نحو 40 ألف ليرة لبنانية في اليوم، بينما في الأدنى تصل الى نحو 10 آلاف ليرة لبنانية، أما في الخاصة فهي تتراوح بين 24 ألف ليرة لبنانية و100 ألف ليرة لبنانية، في حين أن كلفة غرفة العناية الفائقة فهي بين 17 و24 ألف ليرة لبنانية في الحكوميّة، بينما في الخاصة بين 57 و140 ألف ليرة لبنانية، مع العلم أن التغطية الصحيّة تشمل 100% من المواطنين الإيرانيين.

وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الأجنبي المقيم أو الذي يريد أن يتلقى العلاج في إيران، حيث أن الجهات الصحيّة لا تسأل عن جنسيّة المريض ولا يمكن تجاهل المؤشر البارز على هذا الصعيد الّذي يتمثل في إرتفاع معدل عمر الفرد المتوقع في إيران من 55 عاماً قبل الثورة إلى 76 عاماً اليوم.

هل يستفيد لبنان؟

منذ إنطلاق الحديث عن إمكانيّة تسلم "​حزب الله​" ​وزارة الصحة العامة​ في لبنان، خلال المشاورات الحكوميّة، بدأ البعض بالتلميح إلى أن الحزب يريد الإستفادة من هذه التجربة للترويج للأدوية الإيرانيّة، إلا أن لدى طهران رؤية مختلفة تنطلق من إعتبارها أنّ هذا القطاع إنساني بالدرجة الأولى، وهي ترى أن الإستفادة من الممكن أن تكون من خلال الإنتاج المشترك، بين شركات لبنانية وأخرى إيرانية، وعلى المستوى التعليمي أو نقل التكنولوجيا.

وهذا الواقع، لا يعني أن طهران لن تكون مستفيدة من هذا التعاون، بل على العكس من ذلك، نظراً إلى أن الجامعات، على سبيل المثال، تستطيع من خلاله رفع مستوى تصنيفها على المستوى العالمي، والأمر نفسه ينطبق على مصانع وشركات ​الأدوية​، من دون تجاهل عامل أن لبنان يعتبر من أبرز البوابات نحو ​أوروبا​.

في النظرة الإيرانيّة، أن ليس هناك من عوائق تحول دون تعاون البلدين على هذا الصعيد، بل على العكس من ذلك تبدي طهران بشكل دائم رغبتها في مساعدة أيّ جهة تريد الإستفادة من هذا الأمر، خصوصاً بالنسبة إلى الشركات الخاصة، وتشدد على أن هذا الموضوع لا علاقة له بالأوضاع السياسيّة.

أما بالنسبة إلى الأسباب التي تحول دون هذا التعاون، بالرغم من تكرار الدعوات الإيرانيّة في أكثر من مجال، فالسؤال يجب أن يوجّه إلى الجهات اللبنانيّة المعنيّة، حيث تأمل إيران أن يتم التعاون بشكل واقعي مع هذه الأمور، وتؤكد بأن مجالات التعاون مفتوحة، بالرغم من أنها على المستوى السياسي لا تريد إحراج أيّ جهة.

في المحصّلة، يبقى السؤال الدائم الذي يطرح في الأوساط اللبنانيّة يتعلق بتداعيات مثل هذا التعاون، في ظلّ العقوبات المفروضة من قبل ​الولايات المتحدة​، مع العلم أن المواضيع الإنسانية هي خارج إطار هذه العقوبات، كما أن العلاقات بين الجامعات والمستشفيات تعتبر علاقات مجتمعيّة، وبالتالي هناك طرق مختلفة للحؤول دون حصول أيّ ضرر.