يعلّق ال​لبنان​يون بمجموعهم وعلى اختلاف الأهواء والانتماءات آمالاً كبيرة على ​الحكومة​ الجديدة، التي ولدت بالسلامة بعد مخاض عسير استمرّ نحو تسعة أشهر، بكلّ ما تخللها من مناكفات وسجالات سياسية، أوصلت البلد إلى حافة الهاوية، وعكست صورة سيئة جداً عن أوضاعنا السياسية والاقتصادية، وخلقت أجواء من البلبلة بين الناس وجعلتهم خائفين وقلقين على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

أما وقد ولدت الحكومة، وخرجت إلى النور بوزرائها الثلاثين، فقد أراح الأمر المواطنين بشكل عام، رغم أنّ الحذر واجب في هذا المجال، بدليل استمرار بعض التجاذبات السياسية التي لم تلبث أن وجَدت مَن يهدّئها… وما نأمله هو أن تكون هذه التهدئة ثابتة ودائمة حتى تتمكن هذه الحكومة من العمل، خاصة أنّ المطلوب منها كبير وكبير جداً…

صحيح أنّ الحكومة الجديدة لا تختلف كثيراً عن سابقاتها لجهة أنها أتت من ضمن منطق المحاصصات والتقاسم القائم في البلد منذ زمن، ولكن المأمول هو أن تكون مختلفة في عملها وأن تبتعد عن ذلك المنطق وتعتمد بدلاً منه منطق الدولة التي تتعاطى مع كلّ مواطنيها على حدّ سواء، خاصة أنّها حكومة العهد الأولى كما يقول عنها ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​.

ولأنها حكومة العهد الأولى، فإنّ المطلوب منها كثير وكثير جداً على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما لجهة إيجاد الحلول المناسبة للأزمات التي تطال حياة المواطنين اليومية، وتحديداً ضرورة معالجة ملفات ​الكهرباء​ و​المياه​ و​النفايات​ وغيرها من القضايا الملحة، وأهمّها مكافحة الهدر و​الفساد​، فضلاً عن الاهتمام ب​ملف النفط​ و​الغاز​ وهو ملف استراتيجي بامتياز ولا تجوز مقاربته إلا بنظرة استراتيجية بعيداً عن زواريب ​السياسة​ اللبنانية المعتادة.

وعلى أهمية وأولوية ما تقدّم، فإنه لا يغني عن ضرورة التأكيد في البيان على الثوابت الوطنية والقومية، وفي مقدّمها تأكيد الالتزام بثلاثية ​الجيش​ والشعب و​المقاومة​ باعتبارها الثلاثية الميثاقية، التي تشكل مصدر القوة والاستقرار في لبنان، خصوصاً في مواجهة الأخطار التي تتربّص بنا سواء مباشرة من العدو الصهيوني أو بشكل غير مباشر ممّن يمكن أن يستخدمه ضدّنا هذا العدو.

كما أنّ البند الأساسي الذي لا يمكن أن يغيب عن ​البيان الوزاري​ هو بند العلاقة المميّزة مع سورية، وها نحن نسمع في هذه الأيام مطالبات من مختلف الأطراف بضرورة تطبيق ​اتفاق الطائف​، والمعروف أنّ هذا الاتفاق نصّ بكلّ صراحة ووضوح على العلاقة المميّزة بين ​بيروت​ ودمشق، وذلك انطلاقاً من القواسم المشتركة والروابط العائلية والاجتماعية والاقتصادية التي تجمع بين لبنان وسورية.

ومن هذا المنطلق الأخوي الثابت يجب أن تتمّ مقاربة قضية ​النازحين السوريين​، والعمل بكلّ الوسائل والإمكانات المتاحة لحلّ هذه القضية الإنسانية بامتياز، ولأنها كذلك لا بدّ من إبعادها عن دهاليز السياسة، خصوصاً أنّ هناك في الداخل والخارج مَن يريد استغلال هذا الملف لغايات سياسية وتحديداً لاستهداف ​الدولة السورية​ والرئيس ​بشار الأسد​، لكن مَن استطاع التغلّب على المؤامرة الكونية التي استهدفت سورية، قادر على مواصلة النضال والجهد لمنع المتآمرين من أن يحققوا بالسياسة ما عجزوا عن تحقيقه في الحرب، ولا شكّ في أنّ المبادرة الروسية لإعادة النازحين تصبّ في هذا الاتجاه.

ختاماً نأمل أن يُنجز البيان الوزاري اليوم قبل الغد، وأن تنال الحكومة الثقة الأسبوع المقبل، لتبدأ بالعمل والجهد سعياً لتعويض ما فات من وقت، ولجعل الناس يتنفّسون مجدّداً بعدما كادت الأنفاس تنقطع…