إستبق أمين عام "​حزب الله​" السيّد ​حسن نصر الله​ جولة وزير الخارجيّة ال​إيران​ي ​محمد جواد ظريف​ على عدد كبير من المسؤولين اللبنانيّين، بالحديث عن إستعداده للمُساعدة في تأمين أسحلة مُتطوّرة من إيران لصالح ​الجيش اللبناني​، وتحديدًا أسلحة دفاع جوّي وأسلحة دفاع برّي. وقد أكّد الوزير الإيراني من بيروت إستعداد إيران لهذا الأمر في حال رغب الجانب اللبناني بذلك، في الوقت الذي بدأ فيه عدد من المُلحقين العسكريّين في بعض السفارات المُعتمدة في لبنان إستفساراتهم عن الموضوع برمّته. فما هي التأثيرات والإرتدادات المُتوقّعة على الواقع اللبناني في حال إعتماد خيار تسليح الجيش اللبناني من إيران؟.

أوّلاً: إنّ الجيش اللبناني يُعاني فعلاً من ثغرات مُهمّة على مُستوى ترسانته العسكريّة، حيث تنقصه أنظمة دفاع جويّ، وبخاصة صواريخ أرض–جوّ، لمُواجهة الخروقات الجويّة التي يتعرّض لها لُبنان بشكل يومي من قبل الطيران ال​إسرائيل​ي، وهو لا يملك القدر الكافي من الصواريخ المُضادة للدُروع الكفيلة بالتصدّي لأيّ هُجوم برّي مُدرّع كبير. لكن حتى من الناحية العسكريّة الصرف، إنّ تأمين هذه الأسلحة لا يحلّ المُشكلة، لأنّ كل الثُكنات والمراكز والمخازن العسكريّة التابعة للجيش اللبناني مبنيّة فوق الأرض، وتفتقر بأغلبيّتها الساحقة إلى الملاجئ والتحصينات اللازمة ضُدّ سلاح الطيران. وبالتالي، إنّ تأمين أحدث أنظمة الدفاع الجويّ والتي تترافق عادة مع مجموعة كبيرة من الرادارات ومن أجهزة الرصد، لا يُمكن أن يُشكّل فارقًا كبيرًا في أي حرب مُقبلة، ما لم يسبقه تغيير إستراتيجي وجذري على مُستوى تركيبة الجيش اللبناني ومنظومته العسكرية بكاملها، لجهة تحويلهما من مكشوفة فوق الأرض إلى سريّة تحت الأرض. فإسقاط بضع طائرات خلال أي مُواجهة مُقبلة، لا يعني الفوز بالحرب، علمًا أنّ إيران نفسها لا تملك أسلحة دفاع جويّ قادرة على إسقاط طائرات "أف 35" الأميركيّة المعروفة بإسم "الشبح" لعجز الرادارات عن رصدها في الجوّ، والتي تسلّمت إسرائيل الجزء الأوّل من أصل 50 طائرة تعهّدت ​أميركا​ بتسليمها إيّاها. وبالنسبة إلى الصواريخ المُضادة للدروع، والتي لعبت دورًا حاسمًا في تصدّي مُقاتلي "حزب الله" للدبّابات الإسرائيليّة خلال "عدوان تمّوز 2006"، فهي ضروريّة جدًا لتعزيز القدرات الدفاعيّة البريّة لوحدات الجيش اللبناني، لكنّها يجب أن تترافق بدورها مع تموضع دفاعي لوحدات الجيش اللبناني مُختلف عمّا هو قائم حاليًا، لجهة توزيع الآليات والعسكريّين على مجموعات صغيرة مُنفصلة بعضها عن بعض، وتتحرّك بشكل مستقلّ وغير ظاهر للعدوّ.

ثانيًا: إنّ ما بين 80 إلى 90 % من الأسلحة والذخائر التي حصل عليها الجيش اللبناني خلال السنوات الماضية، تأمّنت من جانب ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، في ظلّ إتّفاقات تعاون وتدريب عدّة بين الجيشين اللبناني والأميركي. وبالتالي، إنّ أيّ تسليح جدّي للجيش من أيّ جهة أجنبيّة، أكانت إيرانيّة أم روسيّة أو من أيّ مصدر آخر يُغرّد خارج السرب الأميركي–إذا جاز التعبير، يستوجب قرارًا سياسيًا إستراتيجيًا بتحمّل تبعات خسارة الدعم العسكري الأميركي للجيش، لصالح الحُصول على دعم عسكري من جهات أخرى. وهذا الأمر لا يشمل الناحية العسكريّة فحسب، بل يشمل الناحية السياسيّة أيضًا، ما يجعل هذا القرار يتجاوز حاجات الجيش اللوجستيّة، ويتجاوز قرار قيادته، ليشمل القرار السياسي من جانب السُلطات السياسيّة اللبنانيّة قبل سواها.

ثالثًا: إنّ المرحلة الحاليّة هي مرحلة مُواجهة مفتوحة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة الأميركيّة من جهة أخرى، وبين محور يجمع إيران إلى بعض الدول المُعارضة للسيّاسة الأميركيّة، والكثير من الدول الغربيّة والعربيّة التي يُمكن تصنيفها ضُمن المحور الأميركي العريض. وبالتالي، إنّ أيّ قرار بتسليح الجيش اللبناني من جانب إيران، يعني تلقائيًا الإنتقال إلى محور جديد، مع كل التبعات الأمنيّة والسياسيّة والإقتصاديّة والماليّة لهذا الخيار، خاصة وأنّ الولايات المتحدة الأميركيّة آخذة بتشديد العُقوبات أكثر فأكثر على إيران، وكذلك على كل الدول والجهات التي تتعامل معها.

وأمام هذا الواقع، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه وعلى الرغم من أنّ تسليح الجيش اللبناني وتقوية قُدراته القتالية هو محطّ ترحيب لبناني واسع، ويجب أن يكون من ضُمن الأولويّات، لما لهذا الجيش ولجنوده من دور حاسم في الحفاظ على إستقرار لبنان وسلامة أراضيه، وعلى أمن اللبنانيين وكراماتهم، فإنّ أي خُطة تسليح يجب أن تُدرس من النواحي السياسيّة والعسكريّة كافة، وليس من مُنطلق أمني لوجستي فحسب. والأهمّ أنّ أي عمليّة تسليح للجيش يجب أن تترافق مع خطة مُتكاملة تتناول إعادة تركيب بُنية الجيش ومنظومته العسكريّة، بحيث يتمّ حماية كل الثُكنات والمُنشآت والمراكز والمواقع العسكريّة، وتتناول أيضًا تغييرًا في إستراتيجيّة عمل وتحرّك الوحدات المُقاتلة لحمايتها من أيّ هجمات جويّة مُحتملة.

وفي الخلاصة، لا شك أنّ تسليح الجيش اللبناني وتقوية قُدراته، يمرّ أيضًا بالعودة مُجدّدًا إلى مُناقشة الإستراتيجيّة الدفاعيّة التي يجب أن يعتمدها لبنان للدفاع عن أراضيه وعن شعبه بأفضل طريقة مُمكنة وبأقل خسائر أيضًا، على أمل التوصّل إلى خطط جدّية وعملانيّة في هذا السياق. والأكيد أنّ الدور المطلوب من "حزب الله" في هذا المجال، يتجاوز مسألة تأمين الأسلحة للجيش، ويستوجب بالدرجة الأولى تضحية كُبرى تتمثّل في حصر قرار "الحرب والسلم" بالسُلطة الرسميّة اللبنانيّة، وبالعمل جديًا لتحويل "المُقاومة" إلى فصيل مُقاتل شبه نظامي، يتبع لأوامر ​قيادة الجيش​ وليس لأيّ جهة أخرى داخليّة أم خارجية.