اثار اعلان وزير الخارجية ​جبران باسيل​ (كرئيس للتيار الوطني الحر) توقيع وزراء التيار في الحكومة الجديدة استقالاتهم بشكل مسبق ووضعها في تصرف رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، مواقف متناقضة في الشارع اللبناني بين من رأى فيها مخالفة دستورية واضحة و"ديكتاتوريّة" علنية، ومن اعتبرها خطوة بالاتّجاه الصحيح لإفهام الوزراء ان عليهم اثبات انفسهم في سبيل المحافظة على مناصبهم.

لا شكّ أنّ الخطوة فريدة من نوعها في لبنان، ومن الطبيعي بالتالي أن تثير بلبلة في الوسط السياسي. وقد هاجمها البعض كونها "انتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس ااوزراء"، وهي بمثابة تهديد دائم للوزراء لمدة مئة يوم متواصل. ولكن الحديث في الكواليس يدور حول موضوع آخر، وهو أنّ باسيل يحمل في يده مصير الحكومة من خلال تحكّمه باستقالة الوزراء وانه بدلاً من الوزير الملك الذي جسّده في السابق ​عدنان السيد حسين​، اصبح هناك "وزراء ملوك". في الواقع، وبغض النظر عمّا يُقال، فإنّ اعتبار مصير الحكومة معلقاً بيد باسيل عبر هذه الخطوة، امرٌ مبالغ به، ليس لانه غير واقعي، بل لانه لزوم ما لا يلزم. ففي الوضع الحالي، كما في السابق، يمكن لاي زعيم تيار او مسؤول حزبي ان يتحكّم بمصير وزرائه، وهم يعلنون سلفاً ولاءهم له وخضوعهم لأيّ قرار يتّخذه، اياً يكن، ولن يتردّدوا لحظة في الالتزام بقراراته مهما كان نوعها وتأثيرها وهو حال الجميع (الوطني الحر، المستقبل، ​القوات اللبنانية​، ​حزب الله​، أمل، الاشتراكي...). اما مسألة دستورية الخطوة او عدم دستوريتها، فهو امر خاضع للنقاش، لأنّ هناك من يقول انها لا تتعارض مع الدستور كونها متّخذة وفق القوانين المعمول بها، ويمكن لأيّ وزير في أيّ وقت الاعلان عن انسحابه من الحكومة، ووضع الاستقالة في تصرف رئيسها الذي يعود اليه قبولها ام لا، وفي كل الاحوال هناك سوابق كثيرة حصلت في هذا المجال.

المعارضون للخطوة يتخوّفون من أنّ باسيل كان مُصراً على الثلث المعطّل الى درجة انه حصل عليه بطريقة أخرى، وانه بات يتحكّم بحياة الحكومة منذ اليوم الاول لولادتها. ولكن المؤيّدون للخطوة يرون أنّ الامر لا ينطبق على الواقع، فهناك موضوع أغفله الكثيرون، ويكمن في ان باسيل لم يتحدّث عن استقالات جماعيّة، بل حدّد بوضوح نيّة استبدال الورزاء بآخرين، معتبراً أنّه حق له كما يحقّ لغيره استبدال وزراء الاحزاب والتيارات المشاركة في الحكومة. والاستبدال بهذا المعنى، يعني أنّ الحكومة مطلب لباسيل لن يفرّط به، وهو امر منطقي لأنّ رئيس ​التيار الوطني الحر​ يعلم انه قد لا يمكنه الحصول على شروط مماثلة في تشكيل حكومة جديدة أخرى، خصوصاً بعد الغضب والنقمة لتأخير ولادة الحكومة الى نحو تسعة اشهر، كما انه أظهر نفسه مدافعاً عن العهد وحاملاً همومه، فكيف يمكنه إفادة رئيس الجمهورية اذا عطّل عمل الحكومة؟!.

لا يختلف وضع باسيل عن غيره من رؤساء الاحزاب اللبنانيّة في ما خصّ الشأن الحكومي، ولكن فكرة اعطاء مئة يوم للوزير كي يثبت أحقيّته في البقاء في الحكومة، تسجّل سلبية واحدة دستوريّة تكمن في تجريد دور ​مجلس النواب​ في هذا السياق، ولكن في المقابل، من المنصف القول أنّ ​المجلس النيابي​ لا يقوم بدوره في هذا المجال منذ زمن بعيد، فالمراقبة والمحاسبة للحكومة والوزراء غائبان عن عمل المجلس بالشكل والمضمون، وبالتالي قد يكون هذا الحلّ عملياً ليشعر الوزير انه خاضع للمحاسبة، ان لم يكن من النواب، فمن الحزب الذي ينتمي اليه، وهنا يُطرح سؤال عن مدى استعداد رؤساء الاحزاب للقيام بمثل هذه الخطوة، وتأمين البديل المناسب، علماً ان الخطوط ​العريضة​ لعمل أيّ وزير محدّدة سلفاً من قبل حزبه والواقع السياسي اللبناني.