يقالُ: إنَّ الجوابَ يُقرأ من عنوانه، وقد قرأنا كلُّ أجوبةِ الدولةِ ال​لبنان​ية عن حقوقنا المسلوبة: موتوا بغيظكم.لم تنفع المنشادات، وليست هي بنافعة كل تلك الاحتجاجات؛ فقد صمَّتِ ​الدولة اللبنانية​ أُذنيها عن أصواتنا، وفي صمتها إعلانٌ واضحٌ: موتوا بغيظكم.

دولة، يتبادل مسؤوليها إما: الكذب على العلويين إن كان حليفاً، أو الاستبداد لمن خاصمها نكايةً. كل ذنبٍ اقترفه العلويون أنهم موالون لراعٍ إقليمي كان أكثرهم خدماً بين يديه فيما مضى. وحالهم هذه حالُ مكونات لبنان كلها، لها ارتباطاتٌ في كل اتجاهٍ، أما هي، فانتماء خارجي وحيد. والأمس القريب فقط شاهدنا نوابَ السيادة يشجعون منتخباً يلعب ضد لبنانَ، وبروحٍ رياضيةٍ.

المشكلة تكمن في شهادات (اللبننة) التي توزعها أكثرياتٌ مستبدة بعينها، وقد حرمتنا منها، لا فجعكم الله بعدها بعزيز. دولةٌ تستكثر على مواطنيها أن تمثلَ بوزيرٍ كي لا يشكلَّ رئيس حكومتها سابقةً يُلامُ عليها. وأصواتٌ من هنا وهناك بالآلاف رُبما على مواقع التواصل تنديداً بوجعنا. ومنْ طَرَحَ حقنا للتوزير طرحه من باب الاستغلالِ، وعند الاستحقاق نفضَ يديه. نحن لم نشكل عقدةً في كل تاريخ هذه الدولة، فلماذا تعطينا حقاً مسلوباً؟. علينا أن نكّون عقدةً مستعصيةً كي تقرَّ بنا، وإلاَّ كل أوجاعنا صرخاتٌ في وادٍ، لا يسمع صداها سوانا، ولنمت بغيظنا نحن العلويون.

فالحليفُ يُضحي للحليفِ القوي بوزير، وقد يوقف البلد كرمى لعينيه شهوراً وربما دهوراً، ولكن تنعدمُ حيلتهُ، وينقطع نفسه عند الحقِّ العلوي. والشريكُ في المواطنية، المثقفُ المدعي للإنسانية، تستفزه مشاهد ​الكلاب​ الشاردة، وتعذيب هرَّةٍ على يدِ مراهقٍ، ولا تتحسس مشاعره لوجع مئة ألفِ علوي وقد يزيدون؟.

والإعلام يفتح هواءه لساعات لمناقشة التحول والمثليّة الجنسيّة، وتمر مظلوميّة طائفة بأكملها لأقل من دقيقتين عبر أثيره!.

حتى التاريخ في هذا البلد وقف ضدنا، وعادَتْنا الجغرافية، وتآمرت علينا ​السياسة​، ونبذتنا الحضارة، وهجرتنا الثقافة، وتناسانا الإعلام، وأصبح وجودنا في "قطعة السما" هذه لعنةً مؤبدةً على لسان الأجيالِ تلو الأجيال.

وفي مقابل كل المحاولاتِ الصارخة المستدامة للعلويين في سبيل الانخراط في هذا النسيج اللبناني المعقد، حظرتهم دولتهم وأبعدتهم، إلى ما وراء ​النهر الكبير​ الجنوبي حيثُ ​الراعي​ الإقليمي (كما يُسمى) في غفلةٍ من أمره عنهم.

وليس دقيقاً ولا منصفاً أن يقال أن للعلويين راعٍ سوى الله، ونسبتهم إلى ما وراء الحدود ليست هي إلاَّ من باب التحالف القومي لا الطائفي، ولو كان الأمر كما يتوهمون فقد استطاع هذا الراعي، وما زال مستطيعاً، أن يفرض معادلاتٍ بعينها، فهل رأينا فيها وجوداً لعلوي يوماً ما؟.

لن يصعب عليه في أصعب الأمور أن يفرض بدل الوزير اثنين، ولكن حساب الحقل غير حساب البيدر.

فلتظلموا كما شئتم، فهذا قدرنا، ولكن لا تظلموا أنفسكم بأباطيل.

وأخيراً وليس آخراً حُرمنا من كاتبِ عدلٍ. بعد 100 سنةٍ على إعلانِ دولةِ لبنان الكبير، على يد الجنرال هنري غورو، ما زال العلويون في لبنان يحلمون ويحلمون بكاتبٍ عدلٍ، فقط مجرد كاتب عدلٍ، لا هو قاضٍ ولا هو رئيسُ محكمةٍ، لا يتقاضى من الدولة أي راتبٍ أو تعويض، ويتقاضى أتعابه من أصحاب العلاقة.

هو فقط واسطة قانونية مع وزارة عدلٍ (فارغةٍ من كل علويٍّ)، وعلى نفقة العلويين أنفسهم.

وقد وعدنا خيراً دولة رئيس ​الحكومة​ المكلّف عندما زرناه مع وفد من مشايخ ومثقفي الطائفة، لأول مرةٍ، على أمل أن نفتح معه صفحةً جديدةً، فلمْ يفِ بوعدهِ.

وقبله استقبلنا رئيس ​التيار الوطني الحر​ (​جبران باسيل​) في ​جبل محسن​ وزير الخارجية، ودفعنا ثمناً باهظاً في سبيل فتح مكتب لتياره، فأشبعنا خطباً طنانةً، ووعوداً عسليةً، وهذا وجه الضيف.

حتى أننا تقدمنا أكثر من مرة بطلب مقابلته من مساعديه، فتهرّبوا، وسوَّفوا الموضوع، وضيّعوا اللقاء؛ فلم تعد هناك نكاية لديهم استغلّونا بها، و​الانتخابات​ النيابيّة قد مضت، ناهيك عن عنجهيّة في التخاطب لا تشبه إلا تلك النظم الدكتاتوريّة البائدة.

ولم تستثار كرامة النائب العلوي في كتلة ​لبنان القوي​ لإهانته من قبل تيّاره، أليسَ الخلف بالوعدِ إهانة؟ فالتزم الصمتَ. أما النائب الآخر في كتلة الوسط فيعيش في عالمٍ لا يشبهنا بالمرة، وانتقاده صار مضيعةً للوقت.

والحلفاء آهٍ من هؤلاءِ الحلفاءِ، راحوا يتسابقون للإشادة بنتائج ​العدل​ الإستثنائيّة في تاريخ الجمهوريّة حسب تعبيرهم، رغم مخالفتها الواضحة لشروط المباراة، ناهيك عن الميثاقية الوطنية.

وسأختم بهذا البيت الشعر المعبر عن حالنا معهم جميعاً في هذا الوطن الجميل: لا تجعلــوني ككمـونٍ بمزرعــةٍ إنْ فاتَـهُ السَقيُ يُسقيه الذي خلَقـا، بل اجْعـلونــي كأرْزٍ تحتـهُ لجـَجٌ يُمسي ويُصبحُ بين الماء مُغترقـا.