في 4 شباط 2019، أَبْرم ​البابا​ فرَنْسيس وشَيْخ الأَزْهر أَحْمد الطيِّب، "وَثيقَـة الأُخُــوَّة الإِنْســانيَّة مِن أَجْل السَّلام العالميِّ والعَيْش المُشْتَرك" في أَبو ظبي.

ومع أَنَّ المَرْجعيَّتَين الكُبْرَيَين لم تُشيرا إِلى وجوب العَمل على الحَدِّ من الفَساد المُسْتشْري في العالَمَيْن الإِسْلاميِّ والمَسيحيِّ، إِلاَّ أَنَّ الوَثيقة تَحدَّثت عن "تَرْبية الأَوْلاد وتَعْليمهم"، إِذ جاءَ فيها: "... وهُنا تَظْهر ضَرورة الأُسرة كنَواةٍ لا غِنى عَنْها للمُجْتمع وللبَشرية، لإِنْجاب الأَبْناء وتَرْبيتِهم وتَعْليمهم وتَحْصينهم بالأَخْلاق وبالرِّعاية الأُسريَّة، فمُهاجمة المُؤَسَّسة الأُسريَّة والتَّقليل مِنْها والتَّشْكيك في أَهميَّة دَوْرها هو من أَخْطر أَمْراض عَصْرنا".

... كما وتحدَّثت الوَثيقة عن الرَّحْمة بَيْن النَّاس، مِن خِلال الإِشارة إِلى أَنَّ "العَدْل القائمَ على الرَّحْمة، هو السَّبيل الواجِب اتِّباعه، للوصول إِلى حياةٍ كريمةٍ، يحقُّ لكلِّ إِنسانٍ أَنْ يحيا في كَنَفها"...

ولَكن لم يَخْطر بِبال البابا وشَيْخ الأَزْهر، كما وفي بال كلِّ مَن عَمِل على جَعْل الوَثيقة تُبْصر النُّور، أَنَّ عدم الرَّحمة، عِنْدنا في لُبْنان، كما والفَساد المُسْتَشْري وصولاً إِلى بعضِ المُؤسَّسات الدِّينيَّة والتَّربويَّةِ، يَحول دُون تَمكُّن المُؤْمِنين مِن تَعليم أَوْلادهم، وخيرُ دليلٍ على ذلك "شَهيد التَّرْبية الصَّالحة" جورج زْرَيق، الَّذي أَشْعل النَّار في جَسَده، في باحة المَدْرسة الَّتي تَتعلَّم فيها ابْنَته، بعدما رفضَت إِدارة المَدْرسة مَنْحه إِفادةً تُمكِّن جورج من تَسْجيل ابْنَته في مدرسةٍ رسميَّةٍ، كَوْنه عاجزًا عن دَفْع القِسْط المَدْرسيِّ في الخاصَّةِ. ومَع أَنَّ المَدْرسة المَعْنيَّة هي مؤسَّسة تربويَّة أرثُوذكسيَّة، غير أَنَّ لجورج مئات "الرُّفقاء" في ​المدارس​ المَمْلوكة من الجَمْعيَّات الدِّينيَّة والرَّهبنات، ومِن مُخْتلف الطَّوائف اللُّبنانيَّة الكَريمة. وقد وصَل "سَرَطان الفَساد" إِلى عددٍ مِنْها، فحقَّقت أَرْباحًا خَياليَّة على حِساب مُعاناةِ المُواطنين، وحاجتِهم المُلحَّة والضَّروريَّة إِلى تَرْبية أَوْلادِهم وتعليمِهم...

غير أَنَّ النَّاحية الإِيْجابيَّة -على رُغم الخَسارة الكَبيرة بِفِقدان جورج اللُّبْنانيّ المَسيحيّ والَّتي لا تُعوَّض- تَكْمن بِرَحْمةٍ أَظْهرها شَيْخٌ كُويتيٌّ مُسْلمٌ، هو النَّائب في "مَجْلس الأُمَّة الكويتيِّ" خلف دميثير العنازي، الَّذي اتَّصَل بِقناة "الجديد"، ليُعْلِنَ تَبَرُّعَه بمبلغ 10000 ​دولار​ٍ أَميركيٍّ إِلى عائِلة الرَّاحِل جورج زْرَيق، إِلى جانب تَخْصيص راتبٍ شهريٍّ لها.

وقال العنازي: "تألَّمْت من القِصَّة الَّتي حَصَلت. إِنْسانٌ أَحْرق نَفْسه مِن الأَلَم والمُعاناة، من أَجْل تَرْبية أَبْنائِه وتَعليمِهم"...

الطَّلاق: وجهٌ آخر للفساد

وفي سياقِ الحَديث عن الشَّوائِب في تَطْبيق وَصايا المَسيحيَّة والإِسْلام أَيْضًا، المُتاجَرة الَّتي تَحْصل على أَبْواب المَحاكم الشَّخْصيَّة في قَضايا الطَّلاق.

فعِنْد المَسيحيِّين يَقْتصر الطَّلاق المُكْلِف جِدًّا، بَل المُوجِع وهو أَمرُّ من العَلْقَم، على الطَّبقات "البُرْجوازيَّة" والمَيْسورة، وهو بِمثابَة الـ"بْرِسْتيج" الخاصِّ جدًّا، فيما كانَ لَدى إِحْدى الطَّوائِف من الأَقليَّات، مطرانٌ عِنْدَه أَوْراق طَلاقٍ جاهزةٌ، لِقاءَ مَبْلغٍ مِن المال، كانَ يتراوَح بين 10 آلاف دولار و15 أَلفًا (بري فيكس، مع إِمْكان تَأْمين الشُّهود وكلَّ ما يلزم...)، كما وفي مَقْدور أَبْناء الطَّوائِف الأُخْرى الاسْتِفادة مِن العَرْض إِذا حَوَّلوا في طائِفَتهم. غير أنَّ ذلك يُوفِّر على المُعانِين في حَياتِهم الزَّوْجيَّة، مَراحِل الهَجْر السَّابِقة لإِعْلان الطَّلاق، كما ويُوَفّر الوَقت لإِنْجاز المُعامَلات وإِتْمام المَراحل...

ولاحِقًا تَدارَكَت الطَّوائِف المَسيحيَّة هذه الخُطُوة "الخَطِرَة"، واتَّفَقت في ما بَيْنها، وفي وجود المُطران المَعْنيِّ، على عدم السَّماح بِتَغيير الطَّائِفة ضِمْن الدِّين المَسيحيِّ.

وأَعْرف صَدِيقًا عَزيزًا باتَ اليَوْم في دُنْيا الحَقِّ، وهو لَمْ يَتَّفِق مع زوجَتِه، كما وَلم يُسْمَح له مَسيحيًّا بالطَّلاق إِلاَّ إِذا أَمَّن مَبْلغًا مَرْقومًا، فَنَصَحَتْ لَه أُمُّه المُسْلِمةُ، أَنْ يَصْطَحِبها إِلى شَيْخٍ في طَرابْلُس، فَكان ثَمَنُ الطَّلاقِ تَشهّدًا رُبَّما قِيْل لِمَرَّةٍ واحِدةٍ!. وحين تُوفِّي صَديقي، دُفِن في الكَنيسة وعلى دينِه...

وأَمَّا في الطَّلاق لدى المُسْلِمين فتَجاوزاتٌ مِن نَوْعٍ آخَر، وللحَديث صِلَة...