احتفلت ​إيران​ منذ أيام بالذكرى الأربعين لانتصار ثورتها الاسلامية على نظام الشاه محمد رضا بهلوي. احتفالٌ يأتي متزامنا مع محاولة التصعيد الأميركي بوجه ​طهران​، وعلى مشارف اتفاقات سياسيّة تُعيد هيكلة منطقة ​الشرق الأوسط​ التي باتت الجمهوريّة الإسلاميّة لاعبا أساسيا فيها. في هذه الأجواء أصدر مرشد الثورة الإيرانيّة ​السيد علي الخامنئي​ رسالة حملت اسم "الخطوة الثانية للثورة" للدلالة على اهميتها الاستراتيجية بالنسبة للثورة. وحملت عدة أبواب، حيث أن جزءًا منها توجه بها الى ​الشباب​ الإيراني، حملت في طيّاتها رسائل سياسية متعددة، وبعضها الى ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، وبعضها الآخر الى ​حزب الله​ ومنظمات ​المقاومة​.

بعد تأكيد الخامنئي على أهمية الثورة الشعبيّة التي قامت بها إيران، والتمجيد بالعزيمة الإيرانيّة التي حافظت على مبادئ الثورة وصانتها مقابل الاغراءات، إضافة الى تحيّة الشعب على تطوير المجتمع الإيراني والوصول به الى مصاف الدول المتقدمة والحضارية، اعتبر أن الثورة الإيرانية لن تبتعد إطلاقاً وبأيّ ذريعة عن قيمها الممتزجة بالإيمان الديني للناس، وستبقى تدافع الى الأبد عن نظرية النظام الثوري، مشيرا الى أن إيران مقبلة على فصل جديد، سيلعب به الشباب الدور الأهم والأكبر.

بعد قراءة الرسالة، يمكن الاستنتاج أن هدفها استحضار الماضي أمام عيون الشباب للتعلم من التجارب السابقة، واستلهام العبر لمواجهة أعداء إيران الذين ينشرون الأكاذيب مكان الحقيقة، ويعملون بدوافع قويّة على تحريف الماضي والحاضر، ويستخدمون لأجل ذلك الأموال وكل الأدوات والوسائل، لان الشعب الذي لا يتعلم من ماضيه، لن يكون ناجحا في مستقبله، وسيخسر ما حققه من إنجازات.

وكما جرت العادة، كان للولايات المتحدة الأميركية حصّة من خطط إيران المستقبليّة، اذ لا يبدو أن هذا الصراع سيخمد يوما، ولا تزال إيران مصمّمة على تحدّي ​أميركا​ في كل ​الميادين​، من ضمنها محاربة نفوذها في منطقة غرب آسيا، واستمرار الدعم اللامتناهي للمقاومات المسلحة، ال​فلسطين​ية واللبنانية، لحين تحرير ​القدس​ عاصمة فلسطين. هذه المبادىء التي صبغت الثورة الإيرانية لا تزال نفسها، في أقوال وأفعال المسؤولين الايرانيين.

وفي سياق متصل، لم تعد تتستّر إيران على امتلاكها لأحدث الأسلحة المتطورة، الأمر الذي بطبيعة الحال أصبح معلوما لدى دول العالم، التي باتت على معرفة حول نقل إيران هذه الأسلحة وكيفية صناعتها الى حركات المقاومة، ومنها حزب الله الذي اعلن على لسان امينه العام ​حسن نصر الله​ أكثر من مرة امتلاكه لأسلحة متطورة كفيلة بتغيير واقع الصراع مع ​اسرائيل​.

لا شكّ أن المرحلة الحالية تكتسب أهمية بالغة لإيران، فالمؤتمر الدولي في ​وارسو​ يهدف لمحاصرتها رغم أن الهدف المعلن له هو مواجهة المخاطر في منطقة الشرق الأوسط، لا استهداف إيران بشكل مباشر، الا أن طهران تمكّنت من الانتصار على هذا المؤتمر قبل انعقاده، من خلال علاقاتها مع الأوروبيين والتي شهدت تطورا ملحوظا في الأشهر الماضية، وصل الى حد إيجاد آليّة للتبادل التجاري لا تعتمد على ​الدولار​.

إن هذا النصر الإيراني والذي ورد على لسان أكثر من مسؤول، جعل الإيرانيين يفاخرون بقوّتهم تجاه ​الولايات المتحدة الأميركية​، بحيث أن الثانية كانت تواجه طهران منفردة بينما باتت اليوم بحاجة الى تحالف سياسي وأمني كبير مكون من عشرات الحكومات المرتعبة، والتابعة لأميركا.

تشكّل هذه الرسالة الخطوة الثانية للثورة، خصوصا أن بعد أربعين عاما، يغيب الجيل الذي قام بهذه الثورة، مسلما الراية الى الجيل الشاب الجديد، لذلك كان من الضروري تثبيت رؤية إيران الاستراتيجية في عيون الشباب، وفي نفس الوقت وضعهم امام مسؤولياتهم، ليكون انتقال السلطات في إيران بين الأجيال السابقة واللاحقة، سلسا، لا يعرض قوة الجمهوريّة الاسلاميّة للخطر.