احتدم "الكباش" القائم في ​فنزويلا​، ولم تعد ​روسيا​ تختبىء خلف كلمات منمقة او مناورات سياسية ودبلوماسية، اذ دعت ​الولايات المتحدة الاميركية​ الى حوار مباشر من اجل حل المشكلة القائمة بين الرئيس ​نيكولاس مادورو​ من جهة، و​خوان غوايدو​ الذي نصّب نفسه رئيساً متسلحاً بدعم قسم من الشعب الفنزويلي.

وفيما بات واضحاً ان الرهان على تدخل عسكري اميركي في هذا البلد بات في غير محله، اصبحت الامور متعلقة بما يمكن الاتفاق عليه بين القوتين العظميين، لان التحرك الاميركي في فنزويلا يخضع لمراقبة روسية دقيقة، فيما اي تحرك روسي دبلوماسياً كان ام عملياً، يخضع بدوره لمراقبة اميركية شاملة. والعودة الى السيطرة الثنائية، وضع حداً نهائياً لمقولة الاحادية في السيطرة على العالم التي كانت سائدة لحقبة من الزمن اثر سقوط ​الاتحاد السوفياتي​ وغياب اي قوة عظمى تتقاسم النفوذ مع الاميركيين. من هنا، يمكن القول ان الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ نجح في فرض ايقاعه على الساحة الدولية، وتبدو فنزويلا ارضاً خصبة من اجل تجسيد هذا الواقع بالقول والفعل.

ولكن الخلاف الروسي-الاميركي في فنزويلا لا يعني بالضرورة الوصول الى حل يرضي الجميع، بل يعني فعلياً ابقاء الوضع على ما هو عليه، الى ان تنضج الاقتراحات التي يتم درسها واافكار المقدمة من كل من الطرفين من اجل اعادة الوضع الى ما كان عليه. وهذا ما يبدو واضحاً من خلال دعم الجيش الفنزويلي وروسيا لمادورو في مقابل دعم الاميركيين والاوروبيين لغوايدة، ولن يغيّر اعطاء الرئيس المنصّب "اوامره" للجيش في المعادلة، لان القوّات العسكرية اعلنت ولاءها لمادورو وليست في وارد تغييره حالياً، خصوصاً وانها تتمتع بدعم دولي متمثّل بروسيا. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، يكمن في انه في ظل "العداء" الاميركي لروسيا شعبياً واتهامها بالتدخل في ​الانتخابات الرئاسية​ داخل ​اميركا​ وخارجها، كيف يمكن الحديث عن تعاون او تقاسم افكار واقتراحات؟ اما الجواب فبسيط، ويقضي بأن الادارة الاميركية الحالية قد تكون الاقرب الى روسيا من أي إدارة أخرى، وان ما يحكى في وسائل الاعلام في النهار يتم محوه في الليل، وهذا الواقع لا يحتاج أي تفسير او شرح او "تبصير"، فالحرب الاعلامية الدائرة بين اميركا وروسيا لم تؤثر بأي شكل من الاشكال على العلاقة بين الرئيسين ترامب وبوتين، حتى عندما تدخل الاخير بقوة معلناً وقف العمل في اتفاق الاسلحة النووية المتوسطة الذي كان أُبرم مع ​موسكو​ في العام 1987 حين كان الاتحاد السوفياتي لا يزال قائماً، بقيت العلاقة بينهما "عادية" دون ان تظهر للعيان، ولكن لا يمكن اغفال نقطة مهمة وهي ان ترامب الذي عتاد على مهاجمة كل المسؤولين في الدول التي يعتبرها غير متحالفة، احجم عن مهاجمة بوتين في أي مناسبة، وهو أمر لافت وييستحق التوقف عنده.

ولن يكون من المستغرب بعد فترة قصيرة، مشاهدة ترامب وبوتين مجتمعان في أحد الاماكن، يتابدلان اطراف الحديث، ويحددان معاً مستقبل فنزويلا على اكثر من صعيد وفي العديد من المجالات، ومن المؤكد ان اياً منهما لن يتمسك عندها بمادورو او غوايدو وسيكونان مجرد اسمين ساهما في شرعنة التدخل الدولي على ارضهما.

لذلك، فإن حلّ الازمة الفنزويليّة مرهون بمدى التفاهم الاميركي-الروسي على العديد من الامور، وليس بمقدور الفنزويليين سوى الانتظار لمعرفة من سيصرخ معهم من الوجع؟ مادورو ام غوايدو؟ او بالاحرى اميركا ام روسيا؟.