في الذكرى الرابعة عشرة لإغتيال رئيس الحكومة السابق ​رفيق الحريري​، نظّم "تيّار المُستقبل" إحتفالاً مركزيًا في "واجهة بيروت البحريّة". فما هي المُلاحظات التي أمكن تسجيلها كانطباع أوّلي، وما هي الرسائل التي وجّهها رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بصفته رئيس "تيّار المُستقبل" و"نجل الشهيد" من جهة، وبصفته رئيس الحكومة الجديدة من جهة أخرى؟.

أوّلاً: في الشكل، برز الحُضور الشعبي الواسع من قبل جُمهور "تيّار المُستقبل" نسبة إلى قاعة مُقفلة، والأهمّ برز الحُضور السياسي العريض للجهات التي كانت تُشكّل قوى "14 آذار" سابقًا، بشكل ذكّر بأولى إحتفالات إحياء ذكرى "14 شباط"، ولكن مع تسجيل الغياب الشخصي لرئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" وليد جنبلاط، على الرغم من حُضور هذا الأخير إلى بيروت ووضعه وردة على نصب رئيس الحكومة الراحل. كما كان لافتًا حرص أكثر من جهة سياسيّة لبنانيّة ودبلوماسيّة أجنبيّة على المُشاركة في الإحتفال، بشكل مُباشر أو عبر مُمثّلين.

ثانيًا: حرص رئيس حزب "القوات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ على المُشاركة شخصيًا في الإحتفال هذه السنة، مع جُلوسه إلى جانب رئيس "تيّار المُستقبل"، مُواكبة للتصاريح الصادرة عن الطرفين والتي تؤكّد أنّ علاقة "القوات" و"المُستقبل" هي مُمتازة في المرحلة الحالية، وذلك بهدف دفع الجُهود الرامية إلى طيّ صفحة الشوائب التي كانت سادت خلال المرحلة الماضية، بدءًا من إرتدادات "الإستقالة الشفهيّة" لرئيس "تيّار المُستقبل" من السُعوديّة، مرورًا بتباينات النظرة إلى "التسوية الرئاسيّة"، وُصولاً إلى تضارب تموضعات وتحالفات الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، وكذلك بهدف التشديد على عودة التحالف السياسي الإستراتيجي العريض بين الطرفين في المرحلة المُقبلة، على مُستوى السُلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة، وعلى المُستوى السياسي العام أيضًا.

ثالثًا: غياب الوزير السابق جنبلاط ليس صُدفة، حيث يُنتظر أن يتلاقى مع الحريري في أكثر من ملفّ إقليمي، لكن يُنتظر في الوقت عينه أن يتباعد وإيّاه على مُستوى الكثير من الملفات الداخليّة، حيث من المُتوقّع أنّ يعتمد "الإشتراكي" سياسة المُعارضة داخل الحُكومة، ما سيضعه بمواجهة الكثير من المشاريع التي يُخطّط كل من "المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ" للتنسيق فيها. وبالتالي، على الرغم من حديث "المُستقبل" و"الإشتراكي" عن "غيمة عابرة" بينهما، إنّ العلاقة بين الطرفين ستبقى عرضة للتوتّر بين الحين والآخر، تبعًا للمواقف التي سيعتمدها جنبلاط الذي قرّر الإنتقال إلى المُواجهة مع "التيّار الوطني الحُرّ" بهدف إفشال مُحاولات إضعافه في "الجبل"، وإفشال مُحاولات تقوية خُصومه على الساحة الدُرزيّة أيضًا.

رابعًا: تمّت الإضاءة خلال التحقيقات التي جرى عرضها خلال المهرجان، على المشاريع الإنمائيّة والعمرانيّة وعلى الإنجازات التي تحقّقت خلال مرحلة حُكم رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وعلى إهتمام الحريري الأب بالحجر والبشر، وكذلك على علاقات رئيس الحُكومة الراحل الدَوليّة، كرد إعتبار بوجه الحملات القديمة والجديدة التي طالته، وتحت شعار "البلد مكفّى بشغلك"، علمًا أنّ رئيس الحُكومة الحالي بنى جزءًا مُهمًّا من خطابه إنطلاقًا من هذه الإنجازات، مُوحيًا بأنّ حكومته هي لإستكمال ما أنجز في مرحلة الحريري الأب.

خامسًا: تمّ حصر الكلمات السياسيّة بكلمة رئيس الحُكومة لتسليط الضوء عليها دون سواها، وكان لافتًا تركيز رئيس "تيّار المُستقبل" في بداية كلمته على مسألة قرب صُدور الحُكم عن المحكمة الدَوليّة في قضيّة إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، مع حرص رئيس الحُكومة الحالي على التأكيد أنّ الحُكم على المُتهمين لن يكون أداة للفتنة بل لتأكيد الحقيقة أيّا تكن. ويأتي موقف الحريري الإستباقي لحُكم المحكمة الخاصة من أجل لبنان المُرتقب بعد بضعة أشهر، بهدف الإلتفاف مُسبقًا على أي تشكيك أو تهجّم على مصداقيّة حُكم المحكمة، بالتزامن مع الإقرار في الوقت نفسه بأنّه سيكتفي بالإقرار بالحقيقة في هذه المرحلة، إنطلاقًا من نظرة واقعيّة للتوازنات والوقائع الحالية.

سادسًا: شدّد رئيس الحكومة على أنّ زمن المُزايدات إنتهى، وأنّ الوقت حان للعمل وللإصلاح وللبناء، وبأنّه سيقف بوجه كل من سيعرقل برنامج الحُكومة، ما يعني تلقائيًا أنّ نجاح العهد الرئاسي صار مُرتبطًا بنجاح الحُكومة، وهذا الأمر يؤكّد إستمرار مفاعيل التسوية الرئاسيّة التي ربطت كلاً من "التيّار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل" بعضهما ببعض، ليس على المُستوى السياسي، إنّما على مُستوى إدارة شؤون الدولة، والنهوض بمُختلف القطاعات، ومُحاولة تحريك الدورة الإقتصاديّة من جديد.

سابعًا: حرص رئيس الحُكومة على التأكيد أنّ "​إتفاق الطائف​" هو الدُستور وقاعدة العيش المُشترك، وأن لا خروج عنه، في ردّ على التهجّمات التي طاولته شخصيًا بتهمة التنازل عن سُلطاته، وفي ردّ على الإشاعات عن مؤتمرات تأسيسيّة وعن مُحاولات لإدخال تعديلات على الدُستور، ما يطوي هذه الصفحة التي تدخل أساسًا في خانة الضُغوط المعنوية والإعلاميّة والسياسيّة لا أكثر من جانب بعض القوى-أقلّه حتى إشعار آخر.

ثامنًا: بالنسبة إلى قضيّة عودة النازحين السُوريّين، أكّد الحريري أنّ مصلحة لبنان تكمن في عودة هؤلاء إلى بلادهم، لكنّه شدّد على عبارة بشكل طوعي في تباين واضح مع موقف "التيّار الوطني الحُرّ" وبعض الأطراف الأخرى، ما يعني أنّ عمليّات شدّ الحبال في هذا الملفّ ستبقى قائمة داخليًا، علمًا أنّ جزءًا كبيرًا من قرار العودة مُرتبط أصلاً بضوء خارجي لم يصدر بعد عن الجهات المعنيّة، ولوّ مع تسجيل بعض الليونة مُقارنة بما كان الوضع عليه سابقًا من تشدّد تام.

تاسعًا: شدّد رئيس الحكومة على أنّ لبنان ليس دولة تابعة لأي محور، وليس ساحة لسباق التسلّح، في مُحاولة جديدة للتمسّك بمسألة "​النأي بالنفس​" التي لا يتمّ الإلتزام بها، لكنّ الحريري إكتفى بموقفه القديم-الجديد من دون الحديث عن أي خروقات، في إقرار ضُمني بعدم القُدرة على تغيير دور "​حزب الله​" الإقليمي.