أتى مؤتمر ​وارسو​، ليشكّل مقدمة تمهّد لوضع قواعد اشتباك إقليميّة جديدة، تحت عنوان: مواجهة إيران.واذا كان رئيس ​الحكومة​ الاسرائيلية ​بنيامين نتانياهو​ نجح في جذب دول عربيّة الى الاجتماع به علنا، ومن إشترط سريّة تلك اللقاءات الجانبية في وارسو، باغته الاسرائيليون بإبلاغ ​الصحافة​ العبريّة، لتغطية وصول واجتماعات وخروج الموفدين الخليجيين الى وارسو.

انها خطوات اسرائيليّة مدروسة بالتعاون مع ​واشنطن​، يرمي فيها نتانياهو لتحقيق هدفين: رفع رصيده الانتخابي، وتثبيت إسمه على سجّل تاريخي الى جانب ​إسحق رابين​، الذي كان رئيس حكومة اسرائيل، ودفع حياته ثمن مشروع تسوية سياسيّة دوليّة بشأن الصراع بين ​تل ابيب​ والفلسطينيين. الفارق ان رئيس الحكومة الاسرائيليّة الحالي جاءه العرب، ولم يكتفوا بمصافحته، بل هم يريدون منه حلفاً استراتيجيا يجمعهم ضد ايران وتركيا. هو اعلن الجهوزية بشأن مشاكسة الجمهوريّة الإسلاميّة، وقدّم أوراق حسن نية للخليجيين بضربات عسكريّة استهدفت المصالح الايرانيّة في ​سوريا​، لكنه لا يستطيع أن يجابه الأتراك، لأسباب عدة، اولها: أن أنقره ليست عدوّة ​تل أبيب​، وثانيها: انها عضو في حلف دول شمال الأطلسي، وثالثها: انها قوة عسكريّة وسياسيّة. ورابعها: انها تستطيع تحريك جبهة غزّة، اكثر مما يستطيع فعله الايرانيون بأشواط. وخامسها ان التنسيق عال بين الجيشين التركي والاسرائيلي، وتربطهما اتفاقيّات تعاونية استراتيجية مهمة.

على هذا الاساس، لن ينال الخليجيون من تل ابيب سوى تعهد ال​إسرائيل​يين انهم الى جانب الدول المذكورة في حال سحبت واشنطن قواتها العسكرية الأميركيّة من المنطقة، كما يفعل الرئيس الاميركي دونالد ترامب. هذا التعهد سهّل لنتانياهو، لكنه استطاع ان ينزع منهم مقابله كسر الحدّة العربيّة تجاه اسرائيل، الى حد التطبيع العملي، فلم يعد التعاون مع الاسرائيليين غريبا في دول خليجيّة، ولا الدفاع عن تل ابيب محرّماً لا في الجلسات، ولا على الشاشات.

لكن الاسرائيليين، كما اوحى الاعلام الذي يدور في فلكهم، انهم يريدون بعد الانتهاء من الانتخابات المقبلة، ترسيخ التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي مع العرب بإتفاقيات تنظيميّة، قد تتطور الى اتحاد وحلف، على شكل جامعة الدول العربيّة، تحت عنوان: جامعة شرق أوسطيّة. تكون بديلة عمليًّا عن جامعة العرب، او تدفنها في ركود وجمود دائم.

هل هذا سهل التحقق؟

كل المؤشرات توحي ان الاسرائيليين نجحوا في صنع تحالف مع دول عربيّة، وتخطّوا معا العقدة الاساسيّة، من دون أيّ اعتراض جماهيري. فالدول العربيّة او الاسلاميّة التي كانت ترفض التطبيع عاجزة عن تحريك الشارع، ومشغولة بأحداثها الدمويّة، او بازماتها الاقتصادّية. كما ان التوترات الطائفيّة والمذهبيّة فرضت قواعد اشتباك جديدة، مهّدت لدخول اسرائيل الى مساحة العرب، وخصوصا في الخليج.

ليبقى السؤال الجوهري، ليس النجاح في تأسيس جامعة شرق أوسطيّة، بل بمدى إمكانيّة بقاء جامعة الدول العربيّة، ولو في شكلها الحالي.

الأخطر، ان التطبيع العربي مع اسرائيل، سيغرق الأسواق الخليجيّة بمنتوجات زراعيّة وبضائع اسرائيليّة على حساب ​لبنان​ وسوريا، ومصر. هنا يتم دفع الثمن الاقتصادي، إضافة الى سعي تل ابيب لجذب السوّاح العرب.

الازمة الأكبر، هي أنّ إسرائيل محت القضيّة الفلسطينيّة بكل مندرجاتها، وطبقت صفقة القرن بسهولة. فلا قدس ولا عودة ​اللاجئين​ ولا وقف ​الاستيطان​. تريد ان يتناسى العرب كل تلك الشروط. لأنّ سلوكها تحقّقه بشرط واحد: اصطفاف ضد ايران.

لكن كل ذلك، لا يقدم للإسرائيليين اطمئنانا أمنيًّا لوجود قوى فلسطينيّة، لا تمون عليها دول عربيّة. والأهم لأنّ سوريا ولبنان خارج المسار الجاري الان. فلا تسويات نهائيّة من دون هذين البلدين. والا ستكون الجامعة الشرق أوسطيّة بين اسرائيل والعرب مجرد اتحاد اقتصادي تعود فائدته فقط على الاسرائيليين ويتحوّل العرب الى سوق استهلاك للانتاج الاسرائيلي.