كالصاعقة نزل على المشاهدين الخبر الذي أورده الوزير محمد شقير في مقابلةٍ له على محطة الجديد:

قال الوزير: بكل صراحة "حين عرف المشاهدون ان عندي مقابلة، وصلتني 4700 رسالة قصيرة على هاتفي من شباب يريدون وظائف"!

***

كان ذلك مساء أول من أمس الأحد، وقد جاءته الرسائل تسأله عن وظائف في أوجيرو أو إحدى شركتَي الخليوي.

ماذا يمكن ان يُقال حين يروي وزير في مؤتمره الصادق العفوي أنه في يومين تلقَّى هذا الكَم الهائل من الرسائل بداعي طلب التوظيف؟

***

لكن الصدمة ليست من الجواب بل من البيان الوزاري الذي قطع الطريق على أي توظيف، فجاء فيه حرفيًا:

"تجميد التوظيف والتطويع خلال عام 2019 تحت كافة المسميات (تعاقد، مياوم، شراء خدمات، وما شابه) بالإدارات والمؤسسات العامة والعسكرية والمدنية".

هذا البيان الوزاري أصبح ملزمًا لأن الحكومة نالت الثقة على أساسه، وعليه لا إمكان لإجراء أي توظيف في السنة الحالية، إذًا، الذين ارسلوا الرسائل القصيرة إلى وزير الإتصالات، الذي يدرك تماماً عمق الواقع عندما كان رئيس الهيئات الاقتصادية سيتلقون "صدمة العمر" حين يُدركون أن لا توظيفات هذه السنة.

***

ليس البيان الوزاري وحده مَن يتحدث عن "تجميد التوظيف"، بل هناك قانون بذلك، فقانون سلسلة الرتب والرواتب يتحدث عن "تعليق التوظيف" إلى حين درس الحاجات الفعلية في الإدارة، وبعد إعادة النظر في هيكلية الإدارة العامة.

هذا القانون تم ضربه بعرض الحائط وتجاوزه، فعلى رغم صدوره فإنه تم تسجيل توظيف خمسة آلاف السنة الماضية أي في "سنة الإنتخابات النيابية"، فأين احترام القانون؟ وكيف سيُحترَم البيان الوزاري إذا كان القانون لم يُحترَم؟ هل البيان الوزاري حبر على ورق؟

***

معضلة أكبر تتعلّق بالتوظيف، فكيف يُجمَّد التوظيف بموجب البيان الوزاري وبموجب قانون سلسلة الرتب والرواتب، فيما رئيس الحكومة سعد الحريري يتحدث عن ان مؤتمر "سيدر" سيوفر أكثر من 900 ألف وظيفة وفرصة عمل؟

هذا الكلام قاله الرئيس الحريري بالتزامن مع انعقاد مؤتمر "سيدر" في نيسان الماضي، ولكن كيف بالإمكان تطبيقه حين يكون مخالفًا للبيان الوزاري ولقانون سلسلة الرتب والرواتب؟

هذا الأمر غير مفهوم ويستلزم توضيحات، فإذا أقلعت مقررات مؤتمر "سيدر" فلمَن ستكون فرص العمل؟

هل صحيح ما يتم الهمس به أن جزءًا من فرص العمل سيكون للنازحين السوريين؟

وهل صحيح ما يتم الهمس به ان أموال "سيدر" مشروطة بتوفير فرص عمل للنازحين السوريين؟

هذا أمرٌ يحتاج إلى تدقيق ومتابعة لأنه إذا صح فإنه سيكون كارثة على الوضع الإقتصادي اللبناني، فيعمل السوريون فيما يكون من الممنوع على اللبنانيين التوظيف أو التعاقد.

***

لنعد قليلا إلى "سيدر" ، فلا بد من إنعاش الذاكرة حوله لأنه انعقد منذ قرابة السنة، وكان يفترض ان يبدأ تنفيذ مقرراته في حزيران الماضي، لكنه تأخر بسبب تأخر تشكيل الحكومة، والمعروف ان أموال "سيدر"، أو بالأحرى، قروض "سيدر " لن تأتي قبل مباشرة الإصلاحات التي ستنجزها السلطة التنفيذية أي الحكومة.

أموال "سيدر" هي 11 مليار ونصف المليار، منها مليار ونصف هبات، وعشرة مليارات قروض. هذا يعني انه حين تأتي هذه الأموال فإن ديون لبنان سترتفع من مئة مليار، وهي الديون حاليًا، إلى 110 مليار دولار، من خلال إضافة مليارات "سيدر".

كيف توزعت مليارات "سيدر"

يُذكَر ان مليارات "سيدر" توزعت على الشكل التالي:

"البنك الدولي (4 مليارات دولار على خمس سنوات)، البنك الأوروبي لإعادة التعمير (مليار يورو على 6 سنوات)، صندوق التنمية السعودي (مليار دولار)، البنك الأوروبي للاستثمار (800 مليون يورو)، البنك الإسلامي للتنمية (750 مليون دولار على مدى 5 سنوات)، فرنسا (550 مليون يورو على 4 سنوات)، الصندوق الكويتي (500 مليون دولار على 5 سنوات)، قطر (500 مليون دولار على 5 سنوات)، هولندا (بين 200 و300 مليون يورو)، تركيا (200 مليون دولار)، الاتحاد الأوروبي (150 مليون يورو)، ألمانيا (120 مليون يورو) والولايات المتحدة (115 مليون دولار).

ففي "سيدر" هناك العناوين التالية:

برنامج الإنفاق الإستثماري، من خلال مشاريع البنى التحتية. وفي هذا البرنامج لائحة بالمشاريع المتعلقة بالطرقات والاوتوسترادات ومعالجة النفايات ومعامل توليد الكهرباء. لكن كم لبناني يستفيد على الأرض من هذه الأعمال السابق ذكرها؟ لم نرَ لبنانياً واحداً في جمع النفايات على سبيل المثال.

***

هذا غيضٌ من فيض، لكن "سيدر" وقبل البدء بالتنفيذ، لا بد للمعنيين به ان يجيبوا على الأسئلة التالية:

كيف بالإمكان رد هذه الديون؟ كيف سيثق الناس بالإدارات التي ستُنفِّذ وهي الإدارات التي سبق ونفذت وكانت أعمالها كارثية؟

ما لم تحققه المئة مليار دولار دين، كيف لعشرة مليارات أخرى ان تحققه؟

وللبحث صلة...