لم تتأخر ​الحكومة​ الجديدة في نيل ثقة ​مجلس النواب​ بعد ان وضعت بيانها الوزاري بسرعة كبيرة. واذا كان متوقعاً عدم سقوطها في اختبار الثقة، وهو امر بات اعتيادياً في ​لبنان​، الا انه ما لم يكن متوقعاً، هو خروج رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ليكون المتحدث الرسمي باسم الدولة، من خلال عدم تفويته أيّ فرصة للقول انه قرّر و​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ مواجهة كل من يعرقل او يقف عائقاً امام قطار الحكومة.

قد يكون هذا الكلام من باب إعطاء الثّقة للناس والخارج ان ارادة العمل موجودة وستقوم الحكومة بكل ما عليها في هذا المجال من اجل العطاء، وانها اهل للثقة التي ينتظرها ​المجتمع الدولي​ لتنفيذ شروط مؤتمر "سيدر" والنهوض ب​الاقتصاد اللبناني​. ولكن، من المبالغ فيه الوصول الى هذه النقطة تحديداً، لاسباب كثيرة اولّها واهمّها عدم ضمان الحريري ابقاء الصلات وثيقة بينه وبين عون من جهة (سبق وتعرضت لهزة سابقاً)، وبينه وبري (تتعرض دائماً لهزات وهزات)، فكيف يمكنه الحديث عن جبهة موحّدة فيما لا يمكن المراهنة على تضامن دائم بين الرجال الثلاثة؟ واذا كانت الفكرة التي اتفق فيها مع عون (رغم كونها بعيدة بعض الشيء عن المنطق) من ان السجال السياسي لا يجب ان يكون في ​مجلس الوزراء​ بل في مجلس النواب، ستكون صعبة التطبيق في جلسات الحكومة، فإن "بروفة" مجلس النواب خلال جلسات الثقة اثبتت عدم سلامتها، اذ تطورت السجالات الى حدّ تخطّت فيه السقوف الموضوعة وكادت ان تزرع خلافاً عميقاً بين الاحزاب لو لم تبرد الاعصاب ويتم الاحتكام الى العقل والمنطق. فكيف السبيل الى ابعاد ​السياسة​ عن مجلس الوزراء، فيما الحكومة تأخرت تسعة اشهر كي تضمن مشاركة غالبيّة الاطراف فيها ومن كل التيارات والانتماءات السياسية؟ وكيف سيتم التطرق الى ملفات اساسية وبالغة الاهمية كالنازحين والعلاقة مع ​سوريا​ والموقف من التطبيع ما لم يكن الحديث في السياسة؟، واذا كانت الرغبة فعلاً في الانجاز والابتعاد عن الركود، فلماذا لا يتم الفصل بين المشاريع الانمائية والاقتصادية والحياتية بحيث يتم الاتفاق عليها بغض النظر عن الخلاف السياسي، والمواضيع السياسية التي يمكن اختلاف وجهات النظر فيها دون عرقلة مصالح الناس؟.

ولكن، يتردّد ان رهان الحريري نابع من القدرة على تحقيق انجاز ما في احد الملفات المهمّة الذي يحظى بتأييد غالبيّة الاطراف، ويقال أنّ موضوع ​الكهرباء​ سيكون الجامع المشترك، وان الرغبة في انهاء هذا الملف ظهرت لدى الجميع، ولم يغب عن حديث أحد من الزعماء والسياسيين في كل التيارات والاحزاب خلال الفترة الاخيرة. واذا لم يكن الملف الكهربائي هو المعني، فسيكون هناك ملفّات أخرى يمكن الاتفاق عليها او على جزء منها، وتكون باكورة "انجازات" الحكومة الحاليّة، مع اتّفاق مسبق على ما يبدو، في ان يكون الثلاثة (اي عون وبري والحريري) آباءها بالتكافل والتضامن فيكون "الانجاز" للجميع. رغم كل ذلك، لم يكن موفقاً ان يبدو الحريري الناطق الرسمي باسم الدولة من جهة، وأن يهدّد من يرغب في العرقلة بمواجهة معه، لانّ قدراته محدودة في أيّ مواجهة سياسية او انمائية او غيرها، والدليل انه بقي تسعة اشهر غير قادر على تشكيل حكومة كي لا يقطع الخيوط مع أي مكوّن او طرف، لانه يعلم تماماً ان مردود ذلك سيكون الفشل بالنسبة اليه وسيظهر ضعيفاً امام جمهوره وامام الآخرين في الداخل والخارج.

الكل في انتظار الحكومة لتعمل وتنجز، ولكن الجميع يعلم ايضاً الوضع في لبنان ويرغب في اعتماد المنطق والعقلانيّة في التعاطي، على أمل ان يحصد ​اللبنانيون​ شيئاً ملموساً في وقت قريب.