ليست الجمهورية الإسلامية الإيرانية هدف مؤتمر وارسو الذي عُقِدَ في عاصمة ​بولندا​ يومي ١٣ و١٤ من الشهر الجاري، بقدر ما هي ​الولايات المتحدة​ الاميركية بذاتها.

الواقع هو التالي:

أوّلاً-تبحث ​الإدارة الأميركية​ عن مكسب سياسي يعيد لها موقعا رياديا في سياسة الشرق الأوسط بعدما سقطت رهاناتها في تحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد.

ثانياً-يسعى الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ الى تعزيز المصالح الأميركية في المنطقة، بعد الاتهامات التي توجّه اليه من ​الكونغرس الأميركي​ حول تكبيد بلاده خسائر مادّية في حروب لا جدوى منها، واتهامه بالتواطؤ مع روسيا منذ ​الانتخابات الرئاسية​.

ثالثاً-تجد ​اسرائيل​ نفسها في مأزق وجودي بظلّ صفقات الأسلحة التي تبرمها الولايات المتحدة مع دول عربيّة، لا سيما المملكة العربيّة السعوديّة، بحيث كان لرئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ اعتراض صريح إبّان الإعلان عن صفقة بيع الأسلحة التي أبرمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته الى ​السعودية​. يقابل تلك المخاوف تطور في القدرة الصناعية الصاروخيّة لإيران رغم العقوبات المفروضة عليها.

رابعاً-تنامي قوّة محور المقاومة بالشق القتالي العسكري كما في التسلّح وكذلك بالشقّ السياسي، عبر الامتداد الى حلف دولي يصل الى ما بعد العربي، ودخول روسيا خطّ الدفاع عنه، حمل بأميركا الى الضغط باتجاه تحقيق "صفقة القرن" وفتح السفارة في القدس، وتضييق الخناق على المساعدات الفلسطينية إرضاء لاسرائيل.

لماذا إذاً مؤتمر وارسو؟

أولاً-لأن المصلحة السياسية للولايات المتحدة الأميركية وبظلّ ما سبق ذكره أعلاه، تبحث عن سبك تحالف دولي ينشأ عنه محور مناهض لإيران وحلفائها؛ تدخل فيه أوروبا قسراً وذلك عبر الضغط عليها من البوابة العربية، نتيجة لعناوين تطرحها أميركا بأنها تهدد الأمن العالمي وليس فقط العربي أو الشرق أوسطي، فيكون المحور بقيادتها. مكاسبه تجاهها أيضاً اقتصادية .

ثانيا-بعد حملة الدفاع عن: الحريات، الديمقراطيات، الربيع العربي، إسقاط الأنظمة الدكتاتورية، والارهاب... تسحب أميركا جنودها من سوريا وتعلن قضاءها على الإرهاب. تعلم أميركا جيداً أن ناتو التحالف الدولي اليوم لن يمتد الى حرب أبعد من سوريا .

ثالثا-خلط الأوراق في لعبة تبدّل موازين القوى يحتاج الى تكتّلات جديدة يجمعها عنوان بارز، أرادته اميركا "الارهاب الايراني". والحقيقة أنّ العرب لم يستطيعوا إنشاء الناتو العربي-الاسرائيلي لضرب سوريا كما أنّ الحلف العربي لضرب اليمن بقي محصورا .

إذاً، إنّ إنشاء محور مناهض للحلف الإيراني-الروسي-العربي والعديد من أصدقائه يتكوّن من حلف أميركي-أوروبي-اسرائيلي ودول من إفريقيا وآسيا والقارة الأميركية هدف استراتيجي. لكن، لا شك ان ترامب يسأل كيف يتمّ تقويض أوروبا؟.

عقب انسحاب الولايات المتحدة الأميركيّة من ​الاتفاق النووي الايراني​ ورفض ​الاتحاد الأوروبي​ الخروج منه، كما رفض الإنصياع لمطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا سيما لجهة مدى الالتزام بالعقوبات الاقتصاديّة والماليّة المفروضة على ايران، اتخذت العلاقة الأميركية-الأوروبيّة منحىً مضطربا تصاعديا.

أرادت الهندسة السياسية الاميركية الضغط على أوروبا من البوابة العربيّة المعادية لطهران وذلك عبر بولندا.

"الإرهاب والتطرف وتطوير الصواريخ وانتشارها، والتجارة البحرية والأمن البحري والتهديدات التي تطرحها الجماعات العميلة عبر المنطقة". هذا ما صدر عن عناوين اللقاء. تمهيدياً، زار وزير خارجية الولايات المتحدة ​مايك بومبيو​ دولا عدّة لحثّها على المشاركة، ذاكراً أنّ هدف المؤتمر هو التركيز على "تأثير إيران وإرهابها في المنطقة". وبدا واضحا من حركة وتصاريح ​الخارجية الاميركية​ أنها كانت تدعو لعقد تحالف دولي ضد طهران. عارضَ الاتحاد الأوروبي. وكذلك دول عدة. لم ينجح مشروع التحالف الدولي ضدّ ايران.

فتبدّلت عناوين المؤتمر نحو الارهاب ومخاطر الصواريخ.

نذكر أنه في شهر كانون الثاني من العام الحالي تحدث مسؤولون أميركيون عن "المؤتمر الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط". ولم ينجح أي عنوان بلمّ شمل دولي تحت المظلة الاميركية في مؤتمر وارسو الذي سبق مؤتمر ​ميونخ​ للأمن السنوي. ولكن مرّت المكيدة .

العنوان شرق أوسطي إيراني والهدف اميركي.

فكان منبر المؤتمر معاديا لإيران وسياستها وأذرعها وللحركات المقاومة التي تدعمها ومنها ​حزب الله​ اللبناني. مورست الحرب السياسّية من على منبر مؤتمر وارسو دون أيّ دفاع بالعمق سوى الدفاع البارد عبر المقاطعة.

هل فعلا فشل مؤتمر وارسو بكلّ جوانبه؟ أولم يكن يعلم الرئيس الأميركي ان الحضور الاسرائيلي والعنوان الاستفزازي تجاه ايران سيدفعان دولا عدة الى مقاطعة الحضور؟!. كلا، لم تكن النية التقسيم العربي الذي كان قد تحقق مسبقاً ومنذ زمن .لكن، مؤتمر وارسو مكيدة مرّت؛ غرام اسرائيلي-اميركي تعمّق، وعداء لإيران تجذّر دون ممانعة عربية، بصمت أوروبي وبنأي دولي بالنفس. عاد مصطلح "الارهاب" سلاحا سياسيا وغطاء كبيراً لسباق تسلّح آت على مستوى نووي.