من خارج سياق الأجواء التي تحاول مختلف القوى السياسيّة، لا سيما تلك المشاركة في ​الحكومة​، الترويج لها، جاء تصريح ​السفيرة الأميركية​ في ​بيروت​ ​إليزابيث ريتشارد​، بعد لقائها رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في ​السراي الحكومي​، بالنسبة إلى قلق بلادها من الدور المتزايد لـ"​حزب الله​" في الحكومة، ما دفع بالكثيرين إلى السؤال عما إذا كان يؤشر لمرحلة جديدة، عنوانها رفع مستوى الضغوط أو الرقابة من جانب الولايات المتحدة على ​لبنان​.

كما أن ما نُقل عن السفير البريطاني في لبنان ​كريس رامبلينغ​، بعد أن عبّر عن انزعاجه من من الاتفاق الذي وقع بين لبنان وشركة "روسنفت" الروسيّة لتطوير منشآت تخزين النفط في ​طرابلس​، يمكن وضعه أيضاً خارج سياق الإرتياح المنتشر على الساحة السياسيّة اللبنانيّة، ما يضع ضغطاً إضافياً على عمل الحكومة في انطلاقتها.

منذ بداية الحرب السوريّة، كان هناك إتفاق بين مختلف القوى الدوليّة، ترجم توافقاً إقليمياً أيضاً، على إبقاء لبنان بعيداً عن الساحات الملتهبة على مستوى المنطقة، ما يعني أن ليس هناك من يريد تفجير الأوضاع الداخليّة، بغض النظر عن الأسباب، مع وجود وجهتي نظر: الأولى تعتبر أن من يملك القدرة لا يريد ذلك، بينما الثانية ترى أن المصالح الدوليّة تفرض هذا الواقع.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "​النشرة​"، إلى أن الكثيرين قد يظنون أن مثل هذه التصريحات تحمل في طياتها إنطلاق مرحلة جديدة من التعامل مع الساحة اللبنانية، وتؤكّد أن بعض الشخصيات والقوى المحليّة يتمنى حصول ذلك، على أساس وجود تبدّل حصل على مستوى التوازنات على طاولة ​مجلس الوزراء​، بينما عملياً هذه التوازنات هي صورة مشابهة لتلك التي قائمة في الحكومة السابقة.

وترى المصادر نفسها أنه على الصعيد الداخلي لا يوجد ما يستدعي تبدلاً على مستوى المواقف الدوليّة أو الإقليميّة، فجميع الأفرقاء يدركون أنه لا يوجد من بينهم من هو قادر على التحكّم وحده في مفاصل اللعبة السياسيّة، وبالتالي فان معظم الملفّات أو القرارات ستخضع لمبدأ التسويات التي يشاركون فيها، إلا أن هذا الواقع لا يمنع مصادر دبلوماسية قريبة من "محور ​المقاومة​" من التعبير عن قلقها، ليس بسبب تصريحات السفيرة الأميركية الأخيرة، بل من الصورة العامة على مستوى العالم والمنطقة.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، أنه حتى الساعة لا تزال الأمور على حالها بالنسبة إلى الساحة اللبنانيّة، بالرغم من حالة الفوضى التي تسيطر على العلاقات الدوليّة والإقليميّة، بسبب التوتر الذي يطغى على مختلف الملفّات العالقة، لكن تضع الكثير من علامات الإستفهام حول سعي الولايات المتحدة إلى تشديد الضغوط على "حزب الله"، وترى أن إستهداف مكوّن أساسي في البلد يعني إستهداف كل البلد بشكل أو بآخر، وبالتالي من المفترض أن يثير هذا الأمر المخاوف.

في المقابل، لدى مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار قراءة مختلفة، فهي بالرغم من إنتقادها الطريقة التي تحدّثت فيها ريتشارد بعد اللقاء مع الحريري في السراي الحكومي، تعتبر أن ليس هناك من مصلحة غربيّة في التصعيد على الساحة اللبنانيّة، نظراً إلى أن هذا يعني، فرض المزيد من الضغوط الإقتصاديّة، على أساس أن الضغوط العسكريّة والأمنيّة غير واردة، وهي تؤثر بالدرجة الأولى على حلفاء تلك الدول، في حين أن "حزب الله" هو خارج الدائرة الإقتصاديّة والماليّة.

وفي حين ترى هذه المصادر أن هذه المواقف على المستوى العملي لا قيمة لها، خصوصاً أنها تكرار لمواقف سابقة، تشدد على أن هذا لا يلغي ضرورة التعامل معها بشكل جدّي من جانب المسؤولين اللبنانيين، نظراً إلى أنّها تمثّل إهانة لهم وللبنان، لا يمكن أن تقبل بها أيّ دولة في العالم من جانب أيّ دبلوماسي، لكنها تعتبر أن هذا الواقع موجود منذ سنوات طويلة، وليس هناك ما يوحي بإمكانية الخروج منه في وقت قريب.

في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أن المرحلة ليست للسجالات السياسية بل للتهدئة، نظراً إلى أن الجميع يريد التركيز على الملفّات الإقتصاديّة والإجتماعيّة، وهو ما يظهر من خلال مواقف مختلف الأفرقاء.