يشكل بيان ​السفارة الأميركية​ حول ما قالته السفيرة أليزابيث ريتشارد لرئيس الحكومة اللبنانية ​سعد الحريري​ من أنها كانت «صريحة جداً في ما يتعلق بقلق ​الولايات المتحدة​ من الدور المتزايد في مجلس الوزراء لتنظيم يواصل الاحتفاظ بميليشيا لا تخضع لسيطرة الحكومة ويواصل اتخاذ القرارات الأمنية الوطنية الخاصة به والتي تعرّض باقي البلاد للخطر» على حدّ زعمها، يشكل دليلاً جديداً على الانتهاكات السافرة للسيادة اللبنانية، التي تقوم بها السفارة الأميركية باستمرار، وسعيها المستمرّ للتحريض ضدّ المقاومة وإثارة الفتنة الداخلية في مواجهتها، خدمة لكيان العدو الصهيوني الذي يزداد قلقه من تنامي قدرات المقاومة وامتلاكها الأسلحة النوعية التي ردعت عدوانيته وأطماعه في لبنان وجعلت قوّته مكبّلة ومردوعة… لا سيما أنّ التقارير الأخيرة التي نشرتها الصحافة «الإسرائيلية» تحدّثت عن أنّ ​الجيش​ «الإسرائيلي» يعاني من فقدان ثقة متزايد على مواجهة المقاومة في ميدان القتال وتحقيق النصر عليها، بل انّ لسان حاله بات: كيف سيواجه هجوم المقاومة في ايّ حرب مقبلة للسيطرة على الجليل الفلسطيني المحتلّ…؟

من الواضح أنّ هذا التدخل الأميركي المتواصل، في شؤون لبنان الداخلية، إنما يندرج في سياق الحرب الأميركية المعلنة على المقاومة عبر العقوبات المالية التي تستهدف بيئة المقاومة وكلّ من يدعمها، والتزم لبنان الرسمي بتنفيذها انصياعاً للإملاءات والضغوط الأميركية.. بعد أن فشلت حروب ​أميركا​ وربيبتها «إسرائيل»، مباشرة أو عبر وكلائها الإرهابيين، في القضاء على المقاومة أو إضعاف قوّتها… لم يبق بيد ​واشنطن​ من أسلحة هيمنتها، لفرض سلطانها الاستعماري، إلا سلاح هيمنتها على النظام المالي الدولي والعمل على إثارة الفتنة من خلال التحريض على المقاومة.. ودفع القوى المرتبطة بها للقيام بهذه المهمة، تماماً كما تفعل اليوم في ​فنزويلا​ حيث تدعم قوى يمينية تابعة لها للانقلاب على نظام الرئيس مادورو لكونه لا يدين بالتبعية للولايات المتحدة وينتهج خطاً استقلالياً تحرّرياً… هذا التدخل الأميركي إنما يشكل اعتداء على اللبنانيين جميعاً… فهو يستهدف سلمهم الأهلي وأمنهم واستقرارهم، ويستهدف مقاومتهم التي حرّرت الأرض من المحتلّ الصهيوني.. واليوم تشكل هذه المقاومة، التي تملك الجاهزية للدفاع عن الوطن، الضمانة لحماية ثروات لبنان النفطية والمائية من الأطماع الصهيونية، وردع العدوانية، التي جبل عليها كيان العدو الغاصب لأرض فلسطين، والمستمرّ أيضاً في احتلال أجزاء من الأرض اللبنانية في ​مزارع شبعا​ وتلال كفر شوبا وبلدة الغجر…

من هنا فإنّ الواجب الوطني يقتضي من اللبنانيين جميعاً، مسؤولين وأحزاب ومواطنين، رفض هذا التدخل الأميركي في شؤونهم الداخلية، والعمل على وضع حدّ للوصاية الأميركية المفروضة على لبنان والمجسّدة في العقوبات المالية التي تستهدف مقاومتهم الباسلة التي حققت لهم الكرامة ورفعت رأس لبنان عالياً، وفي تدخل السفارة الأميركية بشؤون لبنان الداخلية وانتهاك السيادة الوطنية، في خروج سافر على الاتفاقيات الدولية التي تنظم عمل السفارات… وفي منع لبنان من قبول المساعدات الإيرانية والصينية والروسية لحلّ أزماته المزمنة وتسليح جيشه الوطني بأسلحة قادرة على مجابهة الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية…

انّ لبنان لا يمكن أن يحقق استقلاله الحقيقي في ظلّ استمرار هذه الوصاية والإملاءات الأميركية، كما لا يمكن للبنان أن يجد حلولاً جذرية لأزماته وتحقيق التنمية الاقتصادية، واستطراداً العدالة الاجتماعية، إذا لم يتحرّر من التبعية للولايات المتحدة المعبّر عنها بالسياسات الريعية التي تجعل لبنان تابعاً مالياً واقتصادياً للمنظومة الرأسمالية الأميركية الغربية… حتى أنّ لبنان لا يستطيع أن يقيم علاقات اقتصادية وتجارية مع أيّ دولة في العالم على قاعدة تخدم مصالحه.. كما هو حال باكستان هذه الأيام، التي تستفيد من علاقاتها المتطوّرة اقتصادياً مع الصين وإيران ومع السعودية وأميركا في آن معاً… فلماذا ممنوع على لبنان أن ينتهج سياسات متوازنة، أقله كما تفعل باكستان… انّ المسألة مرتبطة بتوافر إرادة لدى المسؤولين قادرة على اتخاذ القرارات التي تحقق مصالح لبنان الوطنية والاقتصادية…