إنطلقت في ​الخليج​ الأربعاء الماضي مُناورات عسكريّة تحت إسم "​درع الجزيرة​ المُشترك 10" تهدف إلى تعزيز التنسيق العسكري بين جُيوش دول ​مجلس التعاون الخليجي​، وإلى تطوير التنسيق الأمني والخطط القتاليّة المُشتركة. وفي الوقت الذي من المُنتظر أن تستمرّ فيه مُناورات قوّات "درع الجزيرة المُشتركة"(1) حتى 12 آذار المُقبل، في ظلّ مُشاركة قطريّة لافتة ولوّ عبر قوّة رمزيّة(2)، بدأت ​إيران​ بدورها الجمعة مُناورات عسكريّة بحريّة بإسم "الولاية 97" ستشهد-كما تردّد، ولأوّل مرّة، إطلاق صواريخ من الغوّاصات الإيرانيّة(3). فما هي الأهداف الفعليّة لذلك، وهل من خطر جدّي بوُقوع مُواجهات مُباشرة بين القوّات الإيرانيّة والخليجيّة أو مع أي طرف آخر؟!.

الأكيد أن لا مجال لوقوع مُواجهة مُباشرة بين الإيرانيّين والخليجيّين، حيث أنّ المُناورات العسكريّة المُتبادلة تجري في أماكن بعيدة، ولا مجال لأيّ إشتباك أو مُواجهة بين الطرفين. وفي حين أنّ المُناورات الخليجيّة التي تجري في الأراضي السعوديّة حيث يقع مقرّ "درع الجزيرة المُشتركة"، محدودة الحجم، ويُشارك فيها لواء مُشاة مدعوم بعدد من السرايا المُدرّعة وسرايا المدفعيّة، تبرز المُناورات الإيرانية الكبيرة الحجم والتي تجري في منطقة بحريّة شاسعة تمتدّ من ​مضيق هرمز​ إلى مدار 10 درجات في ​المحيط الهندي​. وستُشارك في هذه المُناورات الإيرانيّة قطع بحريّة ومجموعة من الطوّافات ومن الطائرات المُوجّهة من دون طيّار، إضافة إلى مجموعات عسكريّة مُستحدثة مُدرّبة على الحرب الإلكترونيّة.

وبالتالي، يُمكن القول إنّ هذه المُناورات تدخل في سياق توجيه الرسائل السياسيّة والأمنيّة في غير إتجاه، وتترافق المُناورات الخليجيّة مع تحرّكات سياسيّة ودبلوماسيّة سعودية واسعة النطاق لإستمالة العديد من الدول الآسيّوية مثل الصين وباكستان والهند وغيرها من جهة، ولتعزيز التحالف الإقليمي–الدَولي المُناهض لإيران من جهة أخرى. وتترافق المُناورات الإيرانيّة في المُقابل مع تحرّكات سياسيّة ودبلوماسيّة إيرانيّة، ترمي إلى تمتين التحالف مع عدد من الدول والجماعات التي تُصنّف في خانة ما يُسمّى "محور المُمانعة" بوجه السياسات الأميركيّة للمنطقة، وإلى إستمرار توسيع النُفوذ الإيراني في عدد من الدول العربيّة على حساب النُفوذ الخليجي والسعودي بالتحديد.

وإضافة إلى الكباش السياسي بين إيران و​السعودية​، والذي تدخل هذه المُناورات في سياقه بشكل أو بآخر، يُوجد خطر أمني يتمثّل بإحتمال وقوع إحتكاكات بين القوّات الإيرانيّة والقوّات الأميركيّة البحرية العاملة في المنطقة، حيث يُعتبر مضيق هرمز خطًّا أحمر، يُمنع على أي جهة تعطيل أو حتى تهديد الملاحة البحريّة فيه. لكنّ نسبة وُقوع مُواجهة عسكريّة جدّية بين الإيرانيّين والأميركيّين نتيجة هذه المُناورات شبه معدومة، حيث إنّ أقصى ما يُمكن أن يحصل هو إحتكاك صغير، أو توجيه تهديدات مُتبادلة بضرورة الإبتعاد!.

لكنّ الأكيد أنّ الأجواء العامة في المنطقة لا تميل إلى التهدئة، حيث يبدو جليًا أنّ كلاً من إيران من جهة، والسعودية من جهة أخرى، تعمل على تعزيز تحالفاتها السياسيّة والعسكريّة، وعلى رفع مُستوى ضُغوطها ضُدّ الطرف الآخر. وفي الوقت الذي بلغت فيه إيران حاليًا أقوى قُدراتها العسكريّة والسياسيّة منذ الثمانينات، تعمل طهران على تثبيت ركائز محورها الإقليمي تحضيرًا لمرحلة "الكباش" المُقبلة. في المُقابل، تعمل الولايات المُتحدة الأميركيّة على إعادة تكبيل إيران مُجدّدًا بالعُقوبات الدَوليّة، بشكل يتماهى مع الأهداف السُعوديّة، حيث عادت الإرتدادات السلبيّة لهذه العُقوبات لتظهر من جديد في إيران على المُستويات الإقتصاديّة والمالية والحياتيّة والمعيشيّة، إلخ.

وفي الختام، المسألة لا ترتبط بمناورة هنا أو هناك، بل بصراع نُفوذ أمني وسياسي ومذهبي إقليمي بأبعاد دَوليّة. والمُعطيات الحالية لا تُؤشّر إلى قرب إنتهاء هذا الصراع، بل تتوقّع تعاظمه أكثر فأكثر مع مُرور الوقت، نتيجة تعاظم النُفوذ الإيراني الإقليمي، وعزم السُعوديّة على مُواجهة هذا الدُخول الإيراني إلى الدُول العربيّة.

(1) قوّات "درع الجزيرة المُشتركة" هي وحدات عسكريّة من مُختلف دُول مجلس التعاون الخليجي، تمّ تأسيسها في العام 1982، بهدف الدفاع عن ​دول الخليج​ ضُد أيّ إعتداء، علمًا أنّ هوية قائدها تتبدّل بإستمرار، ويقودها حاليًا اللواء السُعودي حسن بن حمزة الشهري.

(2) لا تزال العلاقات مُتوتّرة بين قطر وباقي ​دول مجلس التعاون​ الخليجي إضافة إلى مصر، بسبب الخلاف بشأن أسلوب التعامل مع تركيا ومع حركات "الإخوان المُسلمين"، حيث تتهم كلّ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قطر، بدعم الإرهاب.