باغت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مجلس الوزراء في جلسته الأولى بمداخلة ناريّة لم يكن أحد يتوقعها، فقال كثيراً من «الكلام القوي» الذي وضعه في إطار توجيه الضربة الأولى الاستباقية لضبط الأطراف السياسية في إطار معين، فيما أدرجه البعض الآخر في سياق وقف المزايدات السياسية في ملف العلاقات مع سوريا التي وضع عون مسألة زيارته لها على بساط البحث الجدّي.

صحيح أنّ رئيس الجمهورية فجّر موقفه إثر مداخلة وزير الاعلام جمال الجراح بعد مداخلات الوزيرين ريشار قيوميجيان ومي شدياق، الّا انّ هجومه كان مركّزاً في اتجاه «القوات اللبنانية» حصراً، وليس في اتجاه تيار «المستقبل» الذي بقي زعيمُه الرئيس ​سعد الحريري​ صامتاً معظم الوقت.

مستوى الهجوم الذي شنّه عون وبلغ حدّ التذكير بالقصف «القواتي» لقصر بعبدا عام 1990 خلال اجتياح الجيش السوري لمناطق عون، هو الأعنف والأقوى على الاطلاق منذ اكثر من ثلاث سنوات، تاريخ بدء المفاوضات بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» والتي أنتجت لاحقاً المصالحة المسيحية ـ المسيحية وتوِّجت بـ«اتفاق معراب».

هذه المواجهة المبكرة في أول جلسة للحكومة تعني بلا شك أنّ المعارك ستتصاعد بين «القوات» و«التيار» على خلفية الملفات التي ستُطرح لاحقاً والتي ستكون باكورتُها ملف الكهرباء. فـ«القوات اللبنانية» التي لم تعد تحتسب لإحتمال تحجيم حصتها داخل السلطة التنفيذية مع الإعلان عن ولادة الحكومة وإدراك الجميع أنّ هذه الحكومة ستعيش حتى نهاية العهد، ستباشر هجومَها انطلاقاً من مناقشة الملفات الاقتصادية التي ستتصدّر طاولة مجلس الوزراء.

ففي ملف الكهرباء مثلاً تردَّدَ في الأروقة أنّ ثمّة مَن يعمل على جسّ نبض «​حزب الله​» حول إمكانية إعادة طرح ملف البواخر مع تعديل في الأسعار لتصبحَ أكثرَ وِفراً من عرض الإستجرار من سوريا أو إيران.

لكنّ البعض قرأ أيضاً في هجوم عون العنيف سعيا الى حماية الحريري من الحرج الذي يسبّبه كلام وزراء «القوات اللبنانية». ذلك أنّ رئيس الحكومة وخلافاً للتطمينات التي اعلنها دائماً والمواقف التي ادلى بها، فإنه خلال مرحلة تأليف الحكومة كان فعلياً أقرب الى الوزير ​جبران باسيل​ منه الى «القوات». وهذه النقطة هي التي اشتكى منها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وأدّت لاحقاً الى صدام بينه وبين الحريري.

وفي الكواليس كثير من الكلام حول تفاهمات باريس الاقتصادية بين الحريري وباسيل قبل أيام من ولادة الحكومة. ومعه بدت «القوات اللبنانية» كمَن يسعى الى إحراج الحريري بغية إبعاده عن عون وباسيل، فيما يمكن إدراج كلام رئيس الجمهورية العالي السقف لإحباط مسعى «القوات» وحماية «اقتراب» الحريري من «التيار الوطني الحر»، لا بل وضمانه طوال عمر الحكومة.

في المقابل لم يقتنع كثير من المراقبين لتعابير «الاستياء» وتجهُّم الوجه التي حرص الحريري على إظهارها. ذلك أنه بدا في غاية الإنشراح فور انتهاء الجلسة بدقائق وخلال استقباله النائب المطعون بها ديما جمالي.

وقبل ذلك كان وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب قد أشار الى عدم معارضة الحريري زيارته لسوريا أو بما يشبه الموافقة الضمنية، وكذلك أوحى وزير الدفاع الياس بو صعب.

وثمّة إشارة أخرى جاءت متزامنة وتعزّز هذا الانطباع. فالقرار الذي أعلنه المجلس الدستوري بقبوله الطعن بنيابة عضو كتلة «المستقبل» ديما جمالي إستغرق زهاء تسعة أشهر من الدرس، وهي مدة طويلة نسبياً، وتم الإعلان عنه بعد ولادة الحكومة وهو ما جنّب تأثيراته السلبية على عملية التأليف وعلى كتلة «المستقبل».

كذلك فإنّ القرار الذي كان لا مفرّ من اتخاذه بسبب «أخطاء حسابية»، استُتبع بالدعوة الى انتخابات فرعية في طرابلس فقط، بدلاً من اعلان فوز منافسها.

وهذا القرار ما كان ليبصر النور لولا موافقة الفريق الشيعي، أو على الاقل عدم معارضته، ما سمح للعضو الشيعي في المجلس الدستوري بمنحه موافقته بعدما كان سجّل اعتراضه سابقاً. وهو ما يثبت التناغم القائم تحت الطاولة بين الحريري و»حزب الله» وفق مبدأ مقايضة المهادنة الإقليمية بالحماية الداخلية.

لكنّ السياسة شيء والملفات الاقتصادية شيء آخر. أو بعبارة أوضح الحرص على المعادلة الحكومية القائمة شيء ومحاربة الفساد شيء آخر. وعلى هذه الحلبة ستدور معارك الحكومة الشرسة.

وخلال عشاء المصالحة والمصارحة بين الحريري وجنبلاط بدا رئيس الحكومة مرتاباً من المرحلة المقبلة. فهو توقع استهدافاً له عبر ملف العلاقة مع سوريا. وبخلاف ظاهر الشكوى فإنّ الحريري قد يكون مرتاباً من المزايدة التي قد تؤذيه في شارعه، أو بما معناه عدم انضمام جنبلاط الى «القوات». لكن اللافت أنّ الحريري اشتكى امام جنبلاط من استهداف قد يطاول اعضاء فريقه الحاليين أو حتى السابقين من خلال ملف الفساد.

ذلك أنّ «حزب الله» ما برح يعلن جدّيته المطلقة في خوض غمار هذا الملف من دون التمييز بين حليف أو صديق أو خصم. وكانت كلمة النائب حسن فضل الله بمثابة برنامج عمل «حزب الله» للمرحلة المقبلة.

وجاء كلام نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ ​نعيم قاسم​ والمعروف بأسلوبه المباشر واضحاً بما قصده عندما سأل عن السبب الذي يدفع الى رفض كل العروض الخارجية المقدَّمة لحلّ أزمة الكهرباء.

في لندن، يتسابق الخبراء العقاريون الكبار على سرد امتلاك رئيس حزب لبناني بارز منزلين متجاورين في أحد أهم شوارع لندن وهو شارع هاملتون تراس.

ويروي هؤلاء أنّ سعر المنزلين يتعدّى الـ 25 مليون دولار وأنّ المُلكية ليست مباشرة بل من خلال شركة يملكها الزعيم اللبناني. وفي بيروت يظهر هذا الزعيم في موقع المُحارب الأول ضد الفساد ويدّعي أنّ حسابه الشخصي فارغ. فيما زميله، الذي أدلى بمرافعة «مطنطنة» ضد الفساد خلال مناقشة جلسات الثقة للحكومة يقوم بتجارة رخص المرامل ويستفيد منها مالياً. المعركة ستكون صعبة لكنها شيّقة وممتعة في الوقت نفسه