مضت تداعيات الانفاق التي اعلنت عنها ​اسرائيل​ على الحدود مع ​لبنان​ بأقل قدر ممكن من الخسائر، كما كان متوقعاً. وفيما لا تزال طريقة تحرك ​حزب الله​ عسكرياً غامضة على اكثر من صعيد، وهي مسألة ليست بجديدة، يبدو ان الحزب يستعد لحفر انفاق غير عسكريّة انما اساسيّة داخل الوضع اللبناني في ما يتعلق بالفساد. ويعمل منذ ​الانتخابات​ النيابيّة الاخيرة التي شهدها لبنان، على التسويق لمعركة شرسة يرغب في خوضها ضد الفساد، حيث بدأ وفق ما هو ظاهر، خطواتها الاولى في هذا المسار.

واتّخذ الحزب مقاربة موضوعيّة في بداية هذه المعركة الاستراتيجيّة، مفادها تقليل عدد الاعداء والاكثار من عدد المؤيّدين، فنجح اولاً في الفصل بين التوجه السياسي و​مكافحة الفساد​ والهدر، ومدّ اليد الى كل الفئات والتيارات والاحزاب اللبنانيّة حتى تلك التي تعارضه بشراسة في الرؤية السياسيّة والعسكريّة، وبدأ بناء شبكة اتّصالات معها للوصول الى قاسم مشترك يضمن ثبات الموقف. وليس من المستغرب ان يكون ما حصل مع النائب ​نواف الموسوي​ يدخل في هذا السياق، اذ تمكّن الحزب من ابقاء الخيوط مفتوحة مع الجميع بعد ان كانت مهدّدة مع قسم من المسيحيين بفعل السجال الذي شهده ​المجلس النيابي​، فعادت الامور الى ما كانت عليه وبقي المسار دون عوائق.

ولكن، ما اعلنه النائب حسن فضل الله من امتلاكه لملفات ووضعها في المسلك القضائي الصحيح، وما قد تطال من "رؤوس كبيرة"، وضع اللبنانيين في حيرة. فمن جهة، اعتاد ​اللبنانيون​ ان يقرن الحزب اقواله بالافعال، ومن جهة اخرى يحدوهم القلق من تجارب سابقة كانت كلّها تشير الى نيّة صادقة ل​محاربة الفساد​ والهدر، فإذا بالامر يرتد عليهم سلباً ويخسرون المعركة تلو الاخرى. والسؤال الكبير اليوم، هل يمكن لحزب الله فعلاً ان يدحرج، عبر ​القضاء​، رؤوساً كبيرة في ملفّ الفساد؟ من وجهة نظر منطقيّة، يبدو الامر صعباً ان لم نقل شبه مستحيل. فالملفّات تطول وتطول، ومن النادر فعلاً تحييد ايّ من التيارات والاحزاب عن هذا الملف، ولو بنسب متفاوتة. فالقريبون من الحلف وحلفاؤه، سيجدون انفسهم في قفص الاتهام، تماماً كما هو حال البعيدين عنه والخصوم. ولن تهدأ الامور في حال تم التطرق الى ملفّ في الفساد يطال حزباً او تياراً، دون القاء ​الضوء​ على ملفّات اخرى تطال احزاباً وتيارات اخرى من مختلف التوجّهات السياسيّة، كما انّه في حال تمّ ثبوت ضلوع اشخاص من الحزب، فسيجد نفسه محرجاً امام مؤيّديه ومحبّيه لانه لن يقدّم لهم البديل، ولا تزال تجربة ازالة المخالفات في ​الغبيري​ عام 2017 وما رافقها من تحركات ماثلة في الاذهان.

لم ينجح ايّ تيار او حزب قبل اليوم في اكمال المسيرة التي بدأها في مكافحة الفساد، وباعتراف الجميع، فإن السبب بسيط ويعود الى انّ هذا الملفّ يشبه الاخطبوط وتمتدّ شبكاته الى الجميع، ولن يوفّر احداً اذا ما فتح الباب على مصراعيه في هذا السياق. وعليه، فإنّه سرعان ما يعي من حاول دقّ هذا الباب ان الامور ليست بهذه البساطة، وانه ربما يكون من الاسهل مواجهة عدوان اسرائيلي على الوقوف امام دفق الفساد الجارف.

اضافة الى ذلك، لا تزال الشكوى قائمة من القضاء وطريقة تعاطيه مع الملفّات، فكيف سيكون عليه الامر حين تتعلق المسألة بملفّات تطال الجميع؟ وكيف سيتعاطى القضاء معها؟.

على الرغم من الحماسة التي يبديها الحزب في مشروعه لمكافحة الفساد، الا ان الطريق وعرة جداً وقد لا تصل الامور الى خواتيمها، وعليه ورغم كل الاصرار الذي يعلنه ممثلو الحزب ليل نهار، فإنّ الحماية من الخيبات واجب، وعدم التأمل الكبير بالوعود في هذا المجال، قد يكون من الحكمة.