على مدى اليومين الماضيين، شكّلت إستقالة وزير الخارجية ال​إيران​ية ​محمد جواد ظريف​ من منصبه الحدث الأبرز على الصعيدين الإقليمي والدولي، نظراً إلى أنها كانت مفاجئة لمختلف الأوساط المتابعة، بسبب الأدوار التي لعبها الرجل في السنوات السابقة، لا سيما خلال مرحلة التوقيع على الإتفاق النووي بين بلاده والدول الكبرى.

وهذه الإستقالة كانت لافتة من حيث التوقيت، على إعتبار أنها جاءت متزامنة مع زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد إلى ​طهران​، كما أن السبب الأساسي المعلن لها كان تغييب ​وزارة الخارجية​ عن هذه الزيارة، التي التقى خلالها الأسد بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران ​علي خامنئي​ والرئيس الإيراني ​حسن روحاني​، بحضور قائد ​فيلق القدس​ في ​الحرس الثوري​ ​قاسم سليماني​.

في هذا السياق، كان من الواضح أن الإستقالة لا ترتبط بشخص الزائر السوري على الإطلاق، بل بالطريقة التي تمت فيها الزيارة من دون التنسيق مع الخارجية الإيرانيّة، الأمر الذي يُفسر مسارعة المسؤولين في طهران إلى التأكيد بأن هناك رئيساً وحيداً للدبلوماسية هو محمد جواد ظريف، كما أنه لو لم يكن الإعتراض شكلياً فقط ما كان ليتراجع عن هذه الإستقالة بعد التوضيح الذي حصل عليه، خصوصاً من جانب روحاني، الذي تزامن مع تأكيد من سليماني على الدعم الذي يحظى به، خصوصاً من جانب خامنئي.

إنطلاقاً من هذا الواقع، ينبغي قراءة الخطوة التي أقدم عليها وزير ​الخارجية الإيرانية​، قبل أن تُرفض من جانب الرئاسة بشكل حازم، نظراً إلى أن روحاني إعتبر أن الإستقالة تتعارض مع المصالح الإيرانية، لا سيما أن الرجل يعتبر بوابة طهران التفاوضية مع الدول الغربية، بعد أن كان وصفه سابقاً، خلال إحدى جلسات ​مجلس الشورى​ الإسلامي الإيراني العام الماضي، بـ"ماركة ​الحكومة​"، ما يعني أن وجوده في منصبه هو حاجة بالنسبة إلى ​الجمهورية​ الإسلامية في الوقت الراهن، نظراً إلى الضغوط التي تفرض عليها من الخارج، خصوصاً من جانب ​الولايات المتحدة الأميركية​.

وبعيداً عن الوقائع التي رافقت هذه الإستقالة ثم العودة عنها، هناك بعض المؤشرات التي ينبغي التوقف عندها، أبرزها الإلتفاف الشعبي حول شخص وزير الخارجية الإيرانية، الذي نجح في إثبات نفسه رقماً صعباً في المعادلة الداخلية، في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن صراع بين المؤسستين الدبلوماسية والعسكرية في الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي سيكون حاضراً بشكل قوي في المرحلة المقبلة، نظراً إلى أن ظريف لن يتردّد في العودة إلى الإستقالة من جديد في تكرار ما حصل معه في المستقبل، لا سيما بعد أن أدرك أن لوجوده في موقعه أهمية بالنسبة إلى الدولة الإيرانية.

في المحصّلة، فتح ما حصل الباب واسعاً أمام جملة من التساؤلات حول مستقبل وزير الخارجية الإيرانية السياسي في البلاد، وما إذا سيكون رقماً صعباً في الإنتخابات الرئاسيّة المقبلة في العام 2021، لا سيما أن الرئيس الحالي لا يمكنه الترشح من جديد إلى الرئاسة، لأن ​الدستور​ الإيراني لا يسمح له بذلك لأكثر من ولايتين متتاليتين، وهو اليوم يمضي ولايته الثانية بعد إعادة إنتخابه في العام 2017 لمدة 4 سنوات، إلا أن هذا الأمر يتوقف على قدرة ظريف، في الفترة الفاصلة، على النجاح في مهمته على رأس الدبلوماسية الإيرانية، التي لن تكون سهلة على الإطلاق.