سواء كان قرار ​بريطانيا​ حظر "​حزب الله​" بالكامل، بعيداً عن التمييز "التقليديّ" بين جناحيْن عسكريّ وسياسيّ داخله، متوقّعاً أم مفاجئاً، فإنّه طرح بين طيّاته أكثر من علامة استفهام حول "توقيته" أولاً ولجهة التداعيات المتوقّعة له على الساحة اللبنانية ثانياً، خصوصاً أنّه جاء بعد أيام من نيل الحكومة ​الجديدة​، التي يتمثّل فيها الحزب، ثقة ​مجلس النواب​.

وفي حين التزم "حزب الله" الصمت إزاء القرار، على جري عادته في مقاربة مثل هذه القرارات، كان لافتاً تعليق كلّ من رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ الذي حرص على "النأي" بلبنان عن فحوى القرار، معتبراً أنّه "يخصّ بريطانيا"، ووزير الخارجية ​جبران باسيل​ الذي ذهب إلى دحض صفة "​الإرهاب​" عن الحزب، ولو "وقف ​العالم​ بأجمعه، وقال إنّ ​المقاومة​ إرهاب".

ولعلّ كلام باسيل هذا أثار المخاوف في الداخل اللبناني، أكثر من القرار البريطاني نفسه، من أيّ تداعياتٍ محتملة على الوضع الحكوميّ، الملبّد أصلاً. فإذا كان معظم اللبنانيين يستبعدون أيّ انعكاساتٍ للقرار البريطاني، باعتبار أنّه ليس جديداً من الناحية العمليّة، ثمّة من يخشى أن تكون مواقف باسيل سبباً لـ"​تفجير​" جديد في ​جلسة الحكومة​ الثانية...

لا جديد...

عملياً، يمكن القول إنّ القرار البريطاني حظر "حزب الله" واعتباره "منظمة إرهابية"، لم يحمل أيّ جديدٍ، باعتبار أنّ السلطات البريطانية لم تعلن عن "عقوبات" ستفرضها على الحزب بنتيجته، يمكن أن يتأثر بها لبنان بشكل أو بآخر، كما أنّ القرار ليس الأول من نوعه، إذ إنّ ​الولايات المتحدة الأميركية​ سبقت أن اتخذت قراراً مماثلاً منذ سنوات، من دون أن ننسى أنّ بريطانيا نفسها كانت قد صنّفت ​الجناح​ العسكري للحزب "إرهابياً" منذ فترة طويلة، مع أنّ الحزب كان يصرّ دوماً على رفض "نظرية" الفصل بين جناحيْن داخله.

ومع أنّ أسئلة كثيرة طُرِحت حول "توقيت" القرار، خصوصاً أنّه جاء بعد أيام من نيل الحكومة الجديدة الثقة، وبعيد تصعيدٍ أميركيّ واضح، عبّرت عنه ​السفيرة الأميركية​ لدى لبنان ​إليزابيث ريتشارد​ بعد زيارتها ​السراي الحكومي​ الأسبوع الماضي، ما أثار "زوبعة" في الداخل اللبناني، فإنّ ثمّة من يقلّل من شأن مثل هذه "التفسيرات"، ويربطه بالشؤون البريطانية الداخلية لا أكثر، خصوصاً في ظلّ ما تسرّب عن "توظيف انتخابي" للقرار يسعى إليه وزير الداخلية البريطاني ساجيد جافيد، في إطار محاولته استقطاب الناخبين ​اليهود​ للوقوف إلى جانبه للوصول إلى رئاسة الوزراء على حساب ​تيريزا ماي​، فضلاً عن المسعى البريطاني إلى الانسجام مع ​السياسة​ الأميركية بشكل أو بآخر، توازياً مع إجراءات الانفصال عن ​الاتحاد الأوروبي​.

ولعلّ ما عزّز هذه "الفرضية" تمثّل في تصريحات الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ الذي نفى أيّ "تغيير" في موقف بلاده، مبدياً "الإصرار" على مواصلة العلاقات مع الحزب، بوصفه حزباً سياسياً ممثلاً في مجلسي النواب والوزراء في لبنان، وهو ما "طمأن" البعض إلى أنّ القرار بريطانيّ محض، وليس أوروبياً عاماً، وبالتالي فهو لن يُستتبَع بسلسلة قرارات موازية تحذو فيها دول الاتحاد الأوروبي مجتمعةً حذو بريطانيا، ما يمكن أن يؤثر بذلك على علاقة لبنان الاستراتيجية والعميقة بهذه الدول، في وقتٍ تستعدّ الحكومة لتطبيق مقررات ​مؤتمر سيدر​ الذي عقد العام الماضي في ​باريس​، والذي تبدو الرهانات كبيرة عليه لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة في البلاد.

التناغم مفقود!

عموماً، يمكن القول إنّ جميع اللبنانيين، من حلفاء وخصوم "حزب الله"، يجمعون على أنّ القرار البريطاني ليس جديداً، وبالتالي لا يفترض أن تكون له انعكاسات أو تداعيات على الداخل اللبناني، إذا عرف الساسة ​اللبنانيون​ كيف يتعاملون معه، ويبقون العلاقة الاستراتيجية ببريطانيا بمنأى عنه، علماً أنّ مسؤولين في ​السفارة البريطانية​ نفسها قالوا إنّ القرار "شبه مطبّق" منذ فترة ليست بالقليلة، قطعت خلالها السفارة أيّ صلاتٍ مع الحزب.

إلا أنّ هذا الإجماع اللبناني على "المبدأ" لا يترجم "تناغماً" على المضمون بأيّ شكلٍ من الأشكال، باعتبار أنّ الانقسام حول "حزب الله" وأجندته ليس خافياً على أحد، وبالتالي فلا شكّ أنّ هناك في الداخل من يحمّل الحزب نفسه، وإن كان يشاركه حكومة واحدة ويسعى إلى "تطبيع" العلاقات معه بشكلٍ أو بآخر، مسؤولية تعريض مصالح لبنان العُليا للخطر، سواء عبر القرار البريطاني الجديد، أو الأميركي قبله، خصوصاً من خلال إقحام لبنان بحروب لا طائل له منها، على غرار ​الحرب السورية​ وغيرها، "إرضاءً" لمرجعيّةٍ إقليميّةٍ من هنا أو هنالك.

ولأنّ وجهة النظر هذه تصطدم مع وجهة نظر أخرى تصنّف الحزب في إطار "المقاومة"، خصوصاً في وجه المطامع الإسرائيلية التي لم ولن تتوقّف، بل إنّ هناك من يعتقد أنّ كلّ القرارات المناهضة للحزب هي تسعى في حقيقة الأمر إلى تغليب مصلحة إسرائيل ولا شيء غير ذلك، فإنّ ثمّة من يسأل عن محلّ مواقف وزير الخارجية جبران باسيل من الإعراب، وسبب ذهابه بعيداً في "تحدّي" القرار البريطاني، عبر الكلام العالي السقف الذي أطلقه في وجه القرار، ومن يلمح إلى "توظيف انتخابي" يسعى إليه باسيل أيضاً، شأنه شأن البريطانيين، عبر تعزيز أوراقه في ​الانتخابات الرئاسية​ المقبلة، في ظلّ ما يُحكى عن عدم حسم "حزب الله" موقفه منها حتى اليوم.

من هنا، ثمّة من يخشى أن تؤدي مواقف باسيل إلى "تفجير" الجلسة الثانية للحكومة، إذا لم يتمّ احتواؤها قبل فوات الأوان، باعتبار أنّ الموقف اللبناني كان يمكن أن يكون وحدوياً أكثر في مواجهة القرار البريطاني، من دون الذهاب إلى حدّ ما يمكن أن يصوَّر وكأنّه مواجهة للمجتمع الدولي بأسره، ليس لبنان قادراً على تحمّل نتائجها. وفي هذا السياق، لا يُستبعَد أن تلجأ قوى داخل الحكومة، على غرار "​القوات اللبنانية​" مثلاً، إلى إثارة القرار البريطاني على طاولة ​مجلس الوزراء​، ولكن ليس من بوابته، بل من بوابة مواقف باسيل، بذريعة أنّها لا تمثل الموقف اللبناني الرسمي، تماماً كما حصل سابقاً في ملفّ ​النزوح​ السوريّ.

"إلى الاشتباك"؟!

لا نقاش في أنّ القرار البريطاني حظر "حزب الله" بالكامل، لن يكون له أيّ تأثير سلبيّ على لبنان، وهو ما يؤكّده جميع المعنيين، بريطانيين ولبنانيين على حد سواء، وأنّ تداعياته ستبقى محصورة، ولن تصل حتى إلى ​وزارة الصحة​ التي يستلمها وزير محسوب على الحزب، وإن لم يكن حزبياً ملتزماً.

لكن، أبعد من القرار نفسه، ثمّة من يخشى أن تؤدّي ردة الفعل عليه، خصوصاً من جانب وزير الخارجية، إلى "كسر الحصانة" التي نجح اللبنانيون في إرسائها في مواجهة القرار نفسه، بما يكرّر "سيناريو" الجلسة الأولى للحكومة، التي تعطّلت بموجب الاختلافات السياسية في مقاربة ملفّ النزوح.

وأياً كان "السيناريو" الذي يمكن أن تشهده الحكومة ربطاً بهذا الملفّ، فإنّ الأكيد أنّ أيّ "تجاذب" في هذا الشأن، بعيداً عن إيلاء الأولوية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، على حساب "بازار" السياسة وشجونها، يعني أنّ "الإرادة" غير متوافرة جدياً، بل يحتّم تحوّل شعار الحكومة ليصبح "إلى الاشتباك"، لا "إلى العمل"...