أهم ما في ​لبنان​ أنه بلد "الرأي والرأي الآخر"، وحتى هناك وجهة نظر ووجهة نظر أخرى، لكن ماذا عن الحقيقة؟ هل هناك حقيقة وحقيقة أخرى؟

في لبنان يمكن الحديث عن كل شيء، وما طُرح من ملفات في الفترة الأخيرة يكشف ان الحقيقة تحتاج إلى كثير من التدقيق لئلا تأتي النتائج مرتجلة أو لا تأتي، وهذا ما في أخطر الأمور.

القضايا الكبيرة التي طُرِحَت هي:

الحديث عن فتح ملفات الهدر و​الفساد​، ولا نزال عند نقطة الصفر أي لا بت بملف واحد.

قضية التوظيف غير القانوني الذي طُرِح في الإدارات العامة والمؤسسات الرسمية. ولغاية اليوم لا قرار، سهل جدا التوظيف ولكن باعتقادنا لا نزال حيثما نحن.

السجال المندلع بين رئيس ​التيار الوطني الحر​ والنائبة ​بولا يعقوبيان​ حول اتهامات بواخر توليد ​الكهرباء​ وبواخر الفيول.

من خلال هذه الملفات الكبيرة والهائلة تبدو الصورة على الشكل التالي:

هناك سعيٌ لفتح كل الملفات: ان تبدأ الملفات اعتبارًا من مرحلة تولي الرئيس ​فؤاد السنيورة​ ل​رئاسة الحكومة​، خصوصًا في مرحلة عدوان تموز الاسرائيلي على لبنان عام 2006. وللأسف باعتقادنا أخذ ورد ليس الاّ، ومن التجارب ان الذي ذهب مع الريح "سلمولنا عليه"، والبعض يريد ان يبدا اعتبارًا من بداية هذا العهد ليضعه في الميزان.

انطلاقا من هذه المعطيات، ماذا يتبيَّن؟ وإذا كان الهدف الوصول الى جواب عن سؤال: لماذا وصلنا ماليًا إلى هنا، فإن ​القاعدة​ الاساسية للوصول إلى هذا الجواب هي: كم دخل على البلد من اموال عامة؟ وكيف تمَّ صرفها؟

هذا هو السؤال، والإجابة عنه هي كل القضية، فهل من أحد يستطيع الإجابة عنه؟

بدايةً، ما هي قصة الأحد عشر مليار ​دولار​ التي جاءت إلى لبنان على شكل هبات ومساعدات إثر عدوان تموز 2006؟ كيف تم صرفها؟ أين هي مسجّلة؟

هذا المبلغ صُرِف بين 2006 و2009، أي في مرحلةٍ كان الوضع فيها على الشكل التالي:

رئيس الحكومة هو الرئيس فؤاد السنيورة.

الوزراء ​الشيعة​ استقالوا منها فكانت تعقد جلساتها من دونهم وتتخذ قراراتها من دونهم.

كان هناك ​اعتصام​ في ​وسط بيروت​ استمر لأحد عشر شهرًا، وكان يطالب باستقالة الرئيس السنيورة الذي رفض الإستقالة.

كان ​مجلس النواب​ مقفلًا فلم تُعقد اجتماعاته وجلساته على مدى تلك الفترة.

صرف الأحد عشر مليار دولار تم في تلك الفترة:

وجهة نظر الرئيس السنيورة تقول إن صرفها كان على إدارات الدولة، ولم يكن هناك مجلس نواب ليُجيز الصرف. وأن كل شيء مسجّل.

وجهة نظر أخرى تقول إن الصرف تم من دون سجلات، وعليه فمَن يعرف كيف تم الصرف؟ وإلى أين ذهبت الأموال؟

بين وجهتَي النظر، لا بد من جهة مستقلة، ومستقيمة، تتولى التحقيق والخروج بنتيجة، وإلا سيبقى هذا الملف سيفًا مسلطًا فوق رؤوس الجميع يتم استغلاله كلما دعت الحاجة.

لكن الاحد عشر مليار دولار ليست كل الحكاية: فالصرف بدأ من أواخر العام 1992 وصولًا الى أواخر العام 2018 أي على مدى 26 عامًا، في هذه الفترة تم صرف ما يقارب الـ 275 مليار دولار، فكيف تمّ الصرف؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من العودة إلى الحكومات ووزراء المال والموازنات:

الموازنة​ الاولى صدرت عام 1993 والأخيرة عام 2005، العودة الى تلك الأرقام تظهر جزءًا من الصرف، إذًا لا بد من العودة إليها بدل السجالات. لكن ما يجب التنبه إليه أن الموازنات كانت تصدر من دون قطع حساب عن الموازنة التي سبقت، فكيف كان يحصل ذلك؟ ومَن يتحمل هذه المخالفة خصوصًا عندما يُعرَف ان إصدار الموازنة من دون قطع حساب هو مخالف للقانون؟

من العام 2005 الى العام 2017، كان الصرف يتم على القاعدة الاثنتي عشرية، ولم تتم العودة الى إصدار الموازنات إلا في العام 2018 التي صدرت بتأخير أكثر من ثلاثة أشهر.

هذا هو واقع الحال عن المالية العامة، ومَن يريد ان يخلص الى نتيجة، عليه بالتدقيق، وما لم يحصل هذا التدقيق فإن السجال سيتواصل ليوضَع في خانة المزايدات لتحقيق غايات سياسية لا تقدِّم أو تؤخر في رفاهية الناس وقدرتهم على العيش والصمود والاستمرار.