يعرف المعنيون والمهتمون ب​مكافحة الفساد​ أنه لاتوجد عصا سحرية يختصر بها السعي للنجاح في مكافحة الفساد، ويعرف هؤلاء ويعترفون أن كل الإجراءات والتشريعات والتنظيمات التي تقترح تحت هذا العنوان تهدف للحد من الفساد وجعل مهمة الفاسدين أصعب، وجعل مهمة مكافحي الفساد أسهل، وتحريك قوى فاعلة في الدولة والمجتمع للشراكة في جعل التوازن بين الفاسدين ومكافحهيم مختلا في غير صالح الفساد والفاسدين.

اللجوء إلى المباراة والمناقصات في التعيينات والتلزيمات، إجراءات مهمة لكنها ليست حلولا سحرية، فالتحايل على هذه الإجراءات يبقى ممكنا، وكذلك تفعيل أجهزة الرقابة والنيابات العامة لملاحقة الفساد والتحقيق في كل الظواهر التي يشتم منها وجود أثر له، خطوات لا بد منها في مكافحة الفساد، لكنها كسواها لا تأتي بالإنجاز المحقق والمضمون .

الأكيد الذي يجمع عليه الخبراء هو أن عملية مكافحة الفساد عملية مستمرة لا تتوقف أفقيا وعموديا، ولا يجب أن تتوقف ثقافيا ومجتمعيا، بما أن مكافحة الفاسد تعني عمليا قيام دولة القانون، لكن عندما نركز على إجراء بعينه أكثر من سواه فذلك لأنه برأينا يشكل مفتاحا هاما في جمع الإجراءات الرقابية والإستنهاض لقوى المجتمع والرأي العام للمشاركة في هذه المهمة العظيمة، ليكون لنا دولة يثق بها مواطنوها، وتمنحهم الأمل بغد أفضل فيقبلون على النشاط الإقتصادي بأمل وتفاؤل وثقة، وهذا شرط تأسيسي لنجاح أي عملية سياسية واقتصادية في أي مجتمع .

يرتكز الفساد على كونه عمل غير قانوني وغير شرعي لجني الثروة في العتمة، فهو كأي إرتكاب وتجاوز للقانون والأعراق الإجتماعية، لا يقوم تحت ​الضوء​ لأنه مكروه ومنبوذ ومستنكر، ويحرص أهله على بقائه في العتمة، كي لا يتحول سببا لسقوطهم أو ملاحقتهم أو جعلهم يدفعون الثمن معنويا وقانونيا وسياسيا .

تشكل الثروة الشخصية للعاملين في الشأن العام مفصلا هاما في المقارنة بين الفساد والنزاهة، وتشكل الشجاعة والشفافية في التعامل مع الكشف عن الثروة الشخصية، وتطورها خلال فترة ممارسة الشأن العام في أي مستوى سياسي أو وظيفي، تعبيرا عن درجة الجدية في الشراكة في مكافحة الفساد، وكثيرا ما تعبر عن درجة التورط وعدم التورط في أعمال الفساد .

الكشف عن الثروة الشخصية للعاملين في الشأن العام من سياسيين وموظفين، ووضعها في الضوء يشكل خطوة هامة في إرساء ثقافة مكافحة الفساد، ورادعا هاما للكثير من وجوهه، وإستنهاضا للرأي العام والإعلام للشراكة في حملات مكافحة الفساد، ومن يريد تحمل مسؤولية عامة عليه أن يدرك سلفا أنه يرتضي التخلي عن جزء من الخصوصية التي كانت حقا قانونيا مكفولا له بقوة الدستو، وحمايته للملكية الخاصة، ويرتضي وضع نفسه تحت الضوء، فهو بذلك يثبت نقاء سيرته وسلوكه ونظافة مصادر ثروته الخاصة، وعدم تأثر خطها البياني صعودا بتوليه أي مسؤولية عامة أو وظيفة حكومية، كما يقدم ذلك الكشف عن الثروات الشخصية للمسؤولين في الدولة مادة ملموسة يمكن عبر مراقبته تبين نقاط الشبهة والتحقيق فيها، وصولا لوضع اليد على مكامن الفساد وملاحقتها

السير برفع ​السرية المصرفية​ عن ثروات متعاطي الشأن العام من رؤساء ووزراء ونواب، وكبار الموظفين في الدولة، الحاليين منهم والسابقين، ونشر تقارير دورية عن حركة ثرواتهم الشخصية، وتبرير الزيادات فيها، وإتاحة المجال للهيئات الرقابية والقضائية التحقيق بدقتها وشفافيتها، يشكل خطوة مفتاحية في أي مشروع وطني لمكافحة الفساد، وعلامة من علامات الجدية التي تكشف درجة صدقية الكلام الذي نسمعه عن العزم على مكافحة الفساد