تقدم حزب "القوات ال​لبنان​ية" منذ ايام قليلة بمبادرة لعودة النازحين الى ​سوريا​ من لبنان، دون المرور بالسلطات السوريّة. بداية، لا بد من تسجيل ايجابيتين لهذه المبادرة: الاولى انّها ابصرت النور، ايّ بمعنى آخر ان الـ"القوات" لم تكتفِ بالتحذير من تداعيات بقاء ​النازحين السوريين​ في لبنان، بل تقدمت بمبادرة في هذا الصدد، وهو امر ايجابي بذاته.

اما الايجابيّة الثانية فتكمن في القول -ضمن المبادرة نفسها- ان الخلاف حول العلاقة مع ​النظام السوري​ "يجب ألا ينعكس على إرادتِنا المشتركة لإيجاد الحلول الآيلة لعودة النازحين الى بلادهم"، وهو امر يجب البناء عليه للاستمرار في ابقاء الموقف الموحّد من اجل عدم بقاء النازحين في لبنان.

ولكن، عند قراءة مضمون المبادرة القواتية، سرعان ما تتلاشى المواقف الايجابيّة لدى القارىء، ويعود الى النظرة التشاؤميّة حول مدّة بقاء النازحين في لبنان. فالمبادرة ترتكز الى عدم التنسيق مع سوريا اولاً، والى الاعتماد على الامم المتّحدة معنوياً ومادياً ثانياً، وعلى ​وزارة الشؤون الاجتماعية​ ثالثاً. هذه الركائز الثلاث تعتبر مثاليّة نظرياً، اما عملياً فهناك كلام آخر. صحيح ان عدم التنسيق مع السلطات السوريّة امر يرضي شريحة من اللبنانيين، ويؤمّن بالتالي التفاف الجميع حول نقطة وحيدة وهي التركيز على مسألة النازحين، ولكن لا يجوز ارضاء شريحة لبنانية سياسياً من اجل نمو مأساة انسانية واجتماعية وامنية واقتصادية قد تهدد وجود البلد بأكمله. ما قيل من قبل منظّمات لبنانيّة (بعيداً عن السياسة) حول خطورة تدفق اعداد النازحين السوريين دون حسيب او رقيب، بدأنا نعي اهميّته منذ نحو سنتين، بعد فوات الاوان، وما يقال اليوم عن تهديد بقاء لبنان بسبب هذا الملفّ ليس من باب المزاح او الكلام الفارغ، وما عشناه في السنوات الماضية كفيل باثبات وجهة النظر هذه على اكثر من صعيد. فهل يستأهل تسجيل موقف سياسي لجهة عدم التعاطي مع السلطات السوريّة، ان نضع بلدنا في خطر؟ وما هي المصيبة اذا تعاطينا مع سوريا سياسياً لتأمين عودة سوريين الى بلدهم؟ خصوصاً وان العالم بات يعترف بالنظام السوري بغض النظر عن الاسباب التي ادّت الى بقائه، علماً ان لا خسارة في استقلال لبنان وسيادته اذا تمّ هذا التواصل عبر الطرق الدبلوماسيّة المعتمدة بين كل دول العالم، كما ان العلاقات مع سوريا لم تنقطع يوماً بل تراجعت فقط.

اما الاعتماد على ​الامم المتحدة​ في ملف بالغ الحساسية، فحدّث ولا حرج. لا غنى عن المنظّمة الدوليّة كمرجع وكمنصب يؤمّن هيكليّة معيّنة يتمّ الاعتماد عليها لتسيير شؤون العالم، ولكن الواقع يؤكّد بما لا يقبل الشك ان الامم المتّحدة مسيّسة وعاجزة عن تخطّي السياسة التي تفرضها الدول الكبرى عليها. وما طريقة تعاطيها مع ملفّ النازحين سوى دليل اضافي على مدى هذا العجز إن على الصعيد المعنوي او المادي. فهل من الحكمة وضع مصير لبنان على كفّ عفريت ريثما تتمكّن الامم المتّحدة من استلام زمام الامور كما يجب عليها ان تفعله؟ وهل يمكن الوثوق بأنّ خطوط التواصل بينها والسلطات السوريّة لن يكون امام حائط مسدود بسبب السيّاسات المفروضة؟ وهل المبادرة الروسيّة التي اطلقت، كانت بعيدة عن الامم المتحدة، فماذا كان مصيرها؟

تبقى نقطة ادخال وزارة الشؤون الاجتماعية في المسألة، فهي اولاً من شق سياسي كونها من حصة "القوات"، وثانياً من شقّ اثبات الوجود للبنان في المبادرة لاظهار انه يمكنه لعب دور بعد ان اعطت المبادرة نفسها كل الدور للامم المتحدة. انّما، هل من المجدي فعلاً تخصيص مبالغ ماليّة اضافية للدولة لقيام الوزراة بمهمة يقوم بها ​الامن العام​ اصلاً، وهل من المنطقي ان ننتظر هذه المدّة الطويلة ريثما تسجّل الوزارة اسماء النازحين وتتعقبّهم على الاراضي اللبنانية في اماكن تواجدهم (المعروفة وغير المعروفة)؟!.

ليست هذه النظرة السريعة على المبادرة القواتية من اجل احباط المعنويات، بل من اجل التوعية على ان معالجة مسألة النازحين السوريين وعودتهم الى بلادهم عبر الطريقة اللبنانيّة، لن تجدي نفعاً، ولا يمكننا بعد الآن الاختباء خلف اصبعنا واعلان فوز الجميع كي نرضي الجميع. يجب تناسي الخلافات السياسية والشخصية، واذا استحال هذا الامر، فنضعها جانباً لبعض الوقت، لانقاذ بلدنا وانفسنا جميعاً، ونعمد الى ايجاد افضل طريقة ممكنة وعمليّة لعودة سريعة للنازحين تضمن سلامتهم بطبيعة الحال، وتعيد المسؤولية عن اوضاعهم الى المكان الصحيح أيّ الى سوريا، حتى لو كان ذلك يعني فتح قناة تواصل مع السلطات السوريّة، فالحرج في ذلك يبقى أخفّ بكثير من حرج تعاطي دول عربيّة مع اسرائيل.