عجيب أمر السلطة التنفيذية، أو بشكل أدق، بعض السلطة التنفيذية: تُشخِّص الوضع على ان المالية العامة في حالٍ يُرثى لها، وعند القرارات فإن ما يُتَّخذ منها يؤدي إلى مزيدٍ من الأَعباء.

مثال على ذلك، ما جرى في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة: المجلس اقرَّ الدرجات الست للأساتذة الثانويين، لم يحصل الأمر بالتوافق بل بالتصويت، مرَّ القرار، لكن ما لا يعلمه الذين مرّروه انه يكلِّف خزينة الدولة سنويًا أربعة مليارات ليرة، فمن أين ستؤمن الحكومة هذا المبلغ؟ هل بمزيد من فرض الضرائب؟ أم بمزيد من فرض الرسوم؟ لا خطة ولا دراسة، والنتيجة كارثية.

هذا الوضع حدا برئيس ​التيار الوطني الحر​ ووزراء القوات اللبنانية و​المردة​ الى عدم التصويت عليه وقامت قيامة الوزير ​جبران باسيل​ ودق ناقوس الخطر في الجلسة ذاتها، ليقول: "البلد راح يروح من بين أيدينا وأنتم لا تزالون تقدمون المصالح الانتخابية على المصلحة العامة". لم يكتفِ بهذه الصرخة بل أضاف: "انّ الاستمرار في اتخاذ قرارات شعبوية ‏كسلسلة الرتب والرواتب وزيادة المعاشات والدرجات قد ترضي قسماً من الناس لبعض الوقت لكنها تهدد مصير كل الناس، والاستمرار في هذا النهج سيؤدي الى مزيد من التدهور".

ويضع باسيل إصبعه على الجرح، فيقول: "أنا أعرف ان كلامي يخسّرني شعبياً لكن ضميري لا يسمح لي بالسكوت عن الحقيقة ‏ومسؤوليتي تدفعني إلى مصارحة الجميع، ماذا يعني ان تؤّمن حقوقاً مالية لفئة من الناس ونحن نعلم أنها سترتد سلبا على وضع جميع الناس؟ نحن كفريق سياسي لن نقف متفرجين ولن نشارك في مسرحية خبيثة لأن الآتي أعظم".

حين يقول الوزير باسيل ان الآتي اعظم فهل يُدرك المعنيون ما معنى ذلك؟ نحن خارج الحلبة السياسية نرى أكثر ممن بداخلها.

يُقال هذا الكلام وتُطلَق التحذيرات في توقيت بالغ الأهمية، فهو يتزامن مع ما أطلقه الديبلوماسي الفرنسي "بيار دوكين" المسؤول عن تنفيذ مقررات "سيدر". حين انعقدت "جلسة الدرجات الست" كان دوكين ما زال في ​بيروت​ وتابع مقررات مجلس الوزراء، فأبدى امام لبنانيين التقاهم استغرابه لقرار الزيادة لاساتذة التعليم الثانوي في وقت يعرف الذين وافقوا ان هذا القرار يعاكس توجه ​الحكومة اللبنانية​ خفض النفقات، وهو بموقفه هذا يلتقي مع الموقف المعترض للوزير جبران باسيل.

أكثر من ذلك فقد طرح السفير دوكان البنود التالية:

ضرورة انجاز ​الموازنة​ العامة للعام 2019 في مهلة أقصاها أواخر هذا الشهر.

ضرورة انجاز موازنة العام 2020 أواخر هذه ​السنة​.

كما طرح عدة بنود يفترض انجازها سريعًا:

الكهرباء​ 24 ساعة على 24.

خطة شاملة للنفايات.

معالجة تلوث المياه.

انشاء الهيئات الناظمة للكهرباء والخليوي. بالإضافة الى:

- خفض العجز في الموازنة، لنرى بأم العين.

- وضع آلية لمكافحة التهرب الضريبي والفساد على أن تكون فعلية وجديّة وليست شعارات، لنرى بالعينين.

نريد قبل الديبلوماسي الفرنسي بيار دوكين معرفة من أهم أصحاب العقود في ​القطاع الخاص​، نريد اسماء، أسماء للعلن.

هل يمكن تحقيق هذا الأمر؟

لا يبدو ان المعنيين هم في صدد هذا الأمر، فمن خلال الأداء والممارسات، تبدو الامور متروكة إلى حد الإهمال، ولا شيء في الأفق يشير إلى إمكان تحسن الوضع. فعلى سبيل المثال لا الحصر تظهر ملفات كثيرة تنم عن هدر يفوق التصور، ولا احد يتلفت الى هذا النوع من الهدر:

وفق شركة دراسات فإن هناك 12 الف ​سيارة​ "تحت الخدمة" في حوزة الوزارات والإدارات الرسمية. الدراسة تشير إلى ان كلفة هذه السيارات السنة الماضية بلغت 195 مليار ليرة بينها 170 مليار ليرة كلفة محروقات وفعلا ​الشعب اللبناني​ طيب، ويدرك أين هو أصبح ولم يعد لديه "النبض" للثورة من كثرة حمله!

إلى متى سيبقى هذا الهدر الفاقع؟ وهل المعنيون يعرفون هذه المعطيات؟ هل يُدرِك المعنيون ان في مؤسسة واحدة هناك 60 سيارة مخصصة للموظفين لا لمتطلبات العمل؟ والناس بمعظمها تحت خط ​الفقر​ و​الشباب​ يهاجر والشيوخ يصرخون ولا من مجيب؟

وتتحدثون عن ضبط الإنفاق؟ كيف ومتى؟

نحن شعب عنيد وبسيط، بإنتظاركم.

وفقنا الله.