الطَّلاق، كما الأَحْوال الشَّخْصيَّة، وكذلك المُؤَسَّسات الدِّينيَّة ذات الصِّلة بالأَحْوال الشَّخْصيَّة، قد تَجْعل أَحد الزَّوْجَين أَو كِلَيْهما، يَصْبر على كلِّ شيءٍ مَخافةَ أَنْ يَدْخل "لُعْبة الطَّلاق"، لأَنَّها أَحْيانًا قد تَجْعل الرَّجل "على الأَرْضِ يا حَكَم"، وبِخاصَّةٍ وأَنَّ تَكاليف المُعامَلات أَحْيانًا، قد تَكون باهظةً، كما وأَنَّ المَرأَة، قد لا تَحْصل على نَفَقتها–كما أَشَرْنا في المَوْضوع السَّابِق بالنِّسْبة إِلى السَّيِّدة (هـ. م.)، الَّتي أَكَّدَت أَنَّها "مُنِعْت مِن تَجْهيز العِدَّة عَملاً بالشَّرْع الإِسْلاميِّ". وأَضافت: "خَرَجْتُ من مَنْزلي مِن دون نَفَقةٍ!... ولاحِقًا خَصَّص لي طَليقي 3 آلاف ​دولار​ فَقَط – هو المُقْتَدر والثَّريّ– فما كان من الشَّيْخ إِلاَّ أَنْ قال له: (هل تريد أَنْ تُخْفِضَ من هذا المبلغ؟)".

ومِن زاويةٍ أُخْرى قَدْ تَحْصل الطَّليقة على أَكْثر بِكَثير مِمَّا يَحقُّ لَها مِن نَفَقَةٍ، بدافعٍ من التَّشَفِّي أَو الطَّمَع البَشريِّ المُغَلَّف بِروح الانْتِقام، أَوْ عَمَلاً بِمَقولة "الشَّاطر بِشَطارْتو". وفي كُلِّ الأَحْوال نادِرًا ما تَسُود العَدالَة، الَّتي يَبْتَغيها اللَّه مِن خَلْقِه... وثَمَّة أَيَّامٌ تُهْدَر بالقَهْر والمَرارَة والبُؤْس...

لذا مِن الأَفْضَل تَحاشي الدُّخول في دَهاليز الطَّلاق، عَمَلاً بالمَحاكِم الرُّوحيَّة. وبالتّالي، ثمَّة خُطوات لا بدَّ من السَّيْر بها...

مَسْعى...

لقد شدَّد الخُبَراء في هذا المَجال على "أَهميَّة الحِفاظ على الأَسْرار الزَّوْجيَّة، وعَدم تَداولِها خارج أَسْوار المَنْزل، حتَّى ولو كان ذلك مع أَهْل الطَّرَفَين، وعدم السَّماح بِتدخُّل أَطْرافٍ أُخْرى، إِلاَّ إِذا كان من أَجْل النَّصيحةِ وتَقْريب وجُهات النَّظر، وإِيْجاد الحُلول المُناسبة الَّتي تصبُّ في مَصْلحة الزَّوجِين".

ودَعَوا إِلى "التَّحلِّي بِقِيَم التَّسامُح والتَّساهُل في حالاتٍ كهذه، تَجْلب لِصاحِبها وللأَبْناء التَّعب والمُعاناة النَّفْسيَّة نَتيجة الغَضَب والرَّغْبة في الانْتِقام وتَصْفية الحِسابات"، كما وحَذَّروا مِن "مُحامين يُحاوِلون تَحْقيق مَكاسب شَخْصيَّة، في العَمَل على تَفاقُم المُشْكِلة، عَبْر تَعدُّد الطَّلبات"، وهَذا وَجهٌ آخَر مِن وجوه الفَساد!.

ويُؤْمن الدِّين الإِسلاميُّ بأَنَّ احْتِرام الأَزْواج لِبَعْضهم، هو تَقرُّبٌ إِلى الله، واتِّباعٌ لأَوامره، وليس كما يَنْظر إِلَيه البَعْض بأَنَّه تَأْديةُ واجبٍ، أَو التِزامٌ فرضَتْه العادات والتَّقاليد والموروثات المُجْتمعيَّة". غَيْر أَنَّ الفَساد ما دَخَل مُؤسَّسةً إِلاَّ ونَخرَها...

كما ويُؤْمن المَسيحيُّون بأَنَّ الزَّواج هو "سرٌّ مِن أَسْرار الكَنيسة المُقدَّسة"، وبأَنَّ الزَّوْجين لَيْسا اثْنَين بَعْد، بَل أَصْبَحا واحدًا، "وما جَمَعَه الله لا يُفرِّقُه إِنسانٌ"... وهُنا المُقارَبةُ مُخْتلِفة، وبابُ الاجْتِهاد بِفَكِّ الارْتِباط بين الزَّوْجَين أَضْيق بِكَثيرٍ...

ولكن للإِنْصاف، ومِن باب وَضْع الحَقائق في نِصابها، يَنْبغي الاَّ نُلْقي بِتَبعات كلِّ مَسْعى إِلى الطَّلاق على عنصر الفَساد حَصْرًا... فثمَّة جَهْلٌ لدى الكَثيرين مِن الأَزْواج بالحُقوق والواجِبات المُتَبادَلة، وتراخٍ في الالتِزامات المُترتِّبة على كلِّ طَرَفٍ تِجاه الآخَر، وتجاه الأَبْناء، بل والمُجْتَمع، وهذا نابعٌ مِن ضُعْف الوازِع الدِّيني، وقلَّة الوَعي بالمَفْهوم الحَقيقيِّ للزَّواج، وبِناء الأُسْرَة.

إِصْلاحٌ في المُؤسَّساتِ الدِّينيَّةِ؟

غَيْر أَنَّ ثمَّة مساعٍ في المؤسَّسات الدِّينيَّة للإِصْلاح، ومحكَمة "الرُّوتا" الرُّومانيَّة، وهي "المَحْكمة الوَحيدة في العالَم الَّتي يحقُّ لها أَنْ تُنْتج الاجْتِهاد الكَنسيَّ، وهي بِذلك تَكون عُنْصرًا مُوحِّدًا للعدالة في الكنيسة"، يُلاقيها الإصلاح في قانون الأَحْوال الشَّخْصيَّة في دولة الإِمارات العربيَّة المُتَّحدة، فَقانون الأَحْوال الشَّخْصيَّة المَعْمول به هُناك، مُنْذ عام 2005، لَيْس طرفًا أَساسيًّا في الخِلافات الزَّوجيَّة، أَوْ سَببًا لوقوعِها، لكنَّه يُساعد في تَسْريع وقوع الطَّلاق إِذا تعذَّر الصُّلْح".

وتَنْطلق الفِكْرة هُناك مِن أَنَّ "قانون الأَحْوال الشَّخْصيَّة وجِد من أَجْل الفَصْل في الخِلافات الزَّوْجيَّة بَعْد وقوعِها، واتِّساع حدودها لتَصِل إِلى الطَّلاق، ولَيْس قَبْل وقوعِها، لأَنَّ العَلاقة إذا تآكَلت داخِل البَيْت، فلا يَسْتَطيع القانون تَرميمَها أو إِصْلاحَها، وإِذا ما قلَّت فرص الصُّلْح بين الأَزْواج المُتخاصِمين، وتَعذَّر إِصْلاح ذات البَيْن، فالأَفْضل هو الانْفِصال، لأَنْ لا حَياة في ظلِّ خلافاتٍ ومُشْكلاتٍ دائمةٍ، تَحْجُب صَفْو الحَياة، وتَجْلب التَّعاسَة والقَلق الدَّائمَيْن لأَفْراد الأُسْرة". وللحَديث صِلَة...