قبل أن يتعرَّف جيلنا على الآلة الحاسبة كانت الأَصفار، إذا كثُرَت، لا تتجاوز الستة، وهي علامة المليون، وكان صاحب هذا "الرقم السعيد" يُقال عنه "مليونير"، وغالبًا ما كنا نسمَع عبارة: "شو بيهمُّو، مليونير".

اليوم نقول: "رزق الله على أيام المليون لمِّن كان يحكي". كان المليون سند ملكية فأصبح فاتورة في سوبرماركت أو في كاراج سيارات أو في مطعم أو في محل ثياب متوسط النوعية والماركات.

***

نحن اليوم أهم بكثير، انتقل بلدنا من بلد "المليونيرية" إلى بلد "الملياردرية"... وفي المقابل، إنتقلنا من شعب مديون بالملايين إلى شعب مديون بالمليارات، ولكل هذه الأسباب مجتمعةً لم نعد نرضى بالاستدانة بالملايين لأن الـ prestige لا يخولنا سوى الاستدانة بالمليارات، وهو ذاته الـ prestige الذي يدفعنا الى هدر المليارات، "فمين بعدو بيحكي بالملايين"؟ نحن في زمن المليارات حتى ولو كانت بالدَيْن!

***

في بلد الأَصفار الكثيرة والكبيرة، نخشى أن يكون بلدنا قد أصبح "صفرًا على الشمال".

تعالوا نحتسب:

11 مليار دولار من "سيدر"، تساوي بالليرات اللبنانية

16.500.000000000

الـ 11 مليار دولار "الضائعة" بين العام 2006 والـ 2009، والتي يدور حولها جدلٌ كبير بين قائل إنها مسجَّلة وقائل إنها غير مسجَّلة، تساوي أيضًا:

16.500.000000000

بحمد الله، نحن في "جمهورية الأَصفار"، بين تلك التي ستأتينا من "سيدر" وتلك التي نتذكرها بين حين وآخر بين العام 2006 والعام 2009 من التبرعات والهبات بعد حرب تموز.

***

فعلًا تستحقون الشكر، فمن خلال هذه الأَصفار ستتحقق آمال أحفاد أحفادنا.

نعم ستنتهي كل الأزمات المعيشية الاقتصادية البيئية الاجتماعية والتربوية والطبية في بلدنا الى غير رجعة.

فقط اعطونا السلام وبضعة أشهر وكم سنةً لنعيش الرخاء وندرك بسرعة ان المسؤولين أوصلونا الى الخلاص .....

ما هم اهتراء الادارات وتخمة التوظيف العشوائي إنها شهور معدودة ويعيدون كل مَن وظفوهم الى بيوتهم.

ما هم الكهرباء وما صرف سابقا عليها بما يتجاوز الـ ٣٠ مليار دولار، ستُحل أزمة التقنين وسنصبح من الدول المضيئة أربعًا وعشرين ساعة على أربع وعشرين، كما تمنى الديبلوماسي الفرنسي "بيار دوكان"، ولكن كيف؟ من خلال حك الفانوس السحري أو المصباح السحري لعلاء الدين، كما تقول الحكاية والاسطورة، وسيظهر المارد ليقول: "شبيك لبيك عبدك بين يديك"، وتنفرج الأزمة.

***

ما هم أزمة النفايات التي وصلت سمومها وانبعاثاتها الى داخل منازلنا، نتنشقها نحن الشعب الطيب من السواحل الى الجبال، شمالا وجنوبا، كيف لا والروائح المنبعثة من النفايات ستتحوَّل بعد "سيدر" إلى عطور فرنسية، أليس "سيدر" فرنسي المنشأ؟

ما هم فرص العمل، فهي ستكون بالآلاف، لكن يا أيها الخريجون من الجامعات، تواضعوا قليلًا، فإذا لم تجدوا ما تشتغلون به بحسب اختصاصاتكم، فما عليكم سوى بالمهن الحرة والتي كانت تُسمَّى "صَنْعَة"، وكان يُقال "هنيئًا لمَن كان له صنعة في بلادنا".

وما رأيكم بمهنة الزراعة؟ ألا يقول المثل "فلاح مكفي سلطان مخفي"؟

لا عيب في الزراعة وفي النجارة وفي الحدادة وفي التبليط، والمهنة الأخيرة تقرِّبكم من الزعماء، "أليسوا هُم مَن بلَّطوا البحر"؟

***

فعلا نحن شعب مُتعِب ونُنكّد مسؤولينا الحريصين علينا! أليس من النكد ان نُقلقهم ونذكرهم بأن الديون المتراكمة على الدولة فاقت الـ ٨٠ مليار دولار، وستضاف اليها الـ 11 مليار دولار من "سيدر"؟

كان لبنان "الحروف الأبجدية" فصار لبنان "أَصفار الديون".

كان "قطعة سما" فأصبحت الديون "من الأرض للسما".

***

كلمة أخيرةً ومحزنة جدا: رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأخر انتخابه رئيسًا للجمهورية ثلاثين سنة.

ومنذ ذلك التاريخ والبلد يراكم الأَصفار التي لم تعد تتسع لها أية آلة حاسبة.