أجرى الدبلوماسي الأميركي المُخضرم، دايفيد ساترفيلد(1) المساعد الأول لوزير ​الخارجية الأميركية​ لشؤون الشرق الأدنى، في ​لبنان​ خلال الساعات القليلة الماضية، سلسلة من المُحادثات مع عدد من المسؤولين الرسميّين وغير الرسميّين. فما هي أبرز نقاط البحث، وهل نقل الدبلوماسي الأميركي أيّ رسائل أميركيّة جديدة إلى الدولة اللبنانيّة؟.

بحسب المعلومات المُتوفّرة، إنّ المُوفد الأميركي أجرى سلسلة من المُحادثات بشأن مُستقبل لبنان في ضوء إنطلاق أعمال الحُكومة ​الجديدة​، وهو نقل أيضًا سلسلة من الرسائل الدبلوماسيّة غير المُباشرة-إذا جاز التعبير، من الإدارة الأميركيّة إلى الجانب اللبناني، ركّزت على ما يلي:

أوّلاً: ضرورة الحفاظ على الإستقرار القائم منذ سنوات على طول "​الخط الأزرق​" بمعزل عن أيّ توتّر محلّي أو إقليمي، بالتزامن مع العمل على منع أيّ خروقات لقرارات ​الأمم المتحدة​ المُطبّقة في ​الجنوب​، والحفاظ على المنطقة العازلة والخالية من ​السلاح​.

ثانيًا: ضرورة مُواصلة مُعالجة الخلافات الحُدوديّة البرّيّة والبحريّة مع ​إسرائيل​ بالأساليب الدبلوماسيّة وبالتنسيق مع قوّات الأمم المتحدة والمُجتمع الدَولي، من دون السماح لأي خلاف على البلوكات البحريّة المُرتبطة بإستخراج ​النفط والغاز​ بالتحوّل إلى مُواجهة ميدانيّة، تحت أيّ ظرف من الظُروف.

ثالثًا: ضرورة عدم خُروج لبنان على شبه الإجماع العربي والغربي إزاء ​إيران​، وعلى القرارات التي تظهّرت خلال "مؤتمر ​وارسو​" الأخير والذي غاب لبنان الرسمي عن فعاليّاته، من دون أن يعني ذلك إمكان تغريد لبنان خارج سرب التوافق الإقليمي والدَولي بشأن الحفاظ على إستقرار منطقة ​الشرق الأوسط​ ككلّ، بعيدًا عن التدخّلات الإيرانيّة في شؤون المنطقة العربيّة.

رابعًا: ضرورة تحصين الوضع المصرفي اللبناني بعيدًا عن أيّ عمليّات ماليّة مشبوهة، في ظلّ توقّع صُدور قرارات تطبيقيّة جديدة لرزمة جديدة من العُقوبات الأميركيّة المُتشدّدة التي تهدف إلى منع تمويل أيّ أنشطة إرهابيّة، عبر مُراقبة مُختلف العمليّات الماليّة والحسابيّة المُحوّلة من لبنان وإليه، بدقّة كبيرة.

في المُقابل، وبحسب المعلومات المُتوفّرة أيضًا، إنّ المُوفد الدبلوماسي الأميركي سمع قراءات مُختلفة من عدد من المسؤولين اللبنانيّين، ركّزت في جانب منها، على ضرورة إحترام خُصوصيّة لبنان، وعدم دفعه إلى أيّ محور إقليمي، نظرًا إلى حساسيّة المواضيع الخلافيّة الإقليميّة، وإلى تأثيرها الكبير على إستقرار لبنان وعلى وحدة الموقف بين مسؤوليه وقياداته، خاصة في المرحلة الحاليّة التي تتطلّب أقصى درجات الهُدوء للإنطلاق بعجلة الإصلاح المالي والإقتصادي، ولتأمين أفضل إنطلاقة مُمكنة للدورة الحياتيّة والمعيشيّة من جديد. كما شدّد الجانب اللبناني الرسمي على أهميّة إعطاء ملفّ النازحين الأهميّة الكبرى بعد سنوات من المُماطلة والتسويف، وذلك لما لهذا الموضوع من أهميّة على إستقرار لبنان الداخلي، ومن أهميّة على الإستقرار العام في المنطقة أيضًا، حيث أنّ من شأن مُعالجة مُشكلة ملايين النازحين السُوريّين إلى دول الجوار أن يطوي صفحة أليمة من صفحات الحرب السُوريّة، علمًا أنّ ساترفيلد على إطلاع كافٍ بهذا الموضوع، كما غيره من المواضيع.

في الخُلاصة، التباين واضح بين أولويّات الإدارة الأميركيّة للمنطقة وللبنان تحديدًا، وأولويّات الجانب اللبناني، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة إستفهام بشأن مُستقبل التفاهمات القائمة ومُستقبل العُقوبات المُرتقبة. والأكيد أنّ لبنان الرسمي يُحاول السير في حقل ألغام في ظلّ صراع إقليمي-دَولي لا يبدو أنّ نهايته قريبة! ومن الضروري الإشارة إلى أنّ جولة ساترفيلد إعتبرت تمهيديّة لجولة سيقوم بها وزير الخارجية الأميركي، ​مايك بومبيو​، في الشرق الأوسط في المُستقبل القريب، وهي ستشمل محطّة لبنانيّة على الأرجح. وفي الإنتظار، لا شكّ أنّ عمليّات الكباش لا تزال قائمة بين أكثر من طرف إقليمي ودَولي، ما يُحتّم على لبنان واللبنانيّين العمل على تحصين الساحة الداخليّة بعيدًا عن التدخّلات والإملاءات الخارجيّة.