منذ ايام، ضجت ​وسائل الاعلام​ بخبر يتناول زيارة قريبة (تم تحديدها اخر الشهر الحالي) ل​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ الى ​روسيا​. هذه الزيارة كانت مرتقبة منذ تولّي عون مقاليد الرئاسة، ولكن كانت تؤجل لاسباب لا تزال غير معروفة، رغم ترحيب ​القيادة​ الروسيّة بها في السابق، وظهور حماسة ​لبنان​يّة للقيام بها.

اليوم، باتت الزيارة واقعة لا محال، وهي اخذت (ولا تزال)، حيّزاً كبيراً من الاهتمام الاعلامي، وبدأ يصدر الكثير من الكلام عن توقعات معيّنة ستسفر عنها نظراً الى الملفّات العديدة التي تربط لبنان بروسيا بعد "تمركز" الدبّ الروسي على الحدود اللبنانيّة.

ولكن، ربما قد تكون هذه الزيارة قد اعطيت اكثر مما تحتمل، فواقع الامور يشير الى انه، ورغم النفوذ الروسي المتزايد في المنطقة، لا يمكن حذف التأثير الاميركي حيث ان تراجعه لا يعني انسحابه الكلّي من الصورة الاقليميّة. وقد بدا هذا التأثير واضحاً في اكثر من مناسبة: ​تشكيل الحكومة​، عرض المساعدات الايرانيّة للبنان، العقوبات المفروضة على ​حزب الله​، زيارات المسؤولين الاميركيين وآخرها مساعد وزير الخارجية ​ديفيد ساترفيلد​ الى لبنان... وعليه، لا ينبغي تعليق آمال كبيرة عمّا يمكن ان يتأتّى من هذه الزيارة بشكل سريع، لأنّ المواضيع الثلاثة الرئيسيّة المرتبطة بشكل مباشر بين لبنان وروسيا تحتاج الى توافق دولي لنجاحها وهي: مسألة النازحين، المساعدات العسكريّة للجيش اللبناني، التنقيب عن ​النفط​.

في موضوع النازحين، ليس سراً ان روسيا تسعى الى اعادتهم الى ​سوريا​ لاسباب كنا قد تناولناها سابقاً، وهي حريصة على انجاح مبادرتها التي لا تزال في الموت السريري بسبب عدم حصولها على ​الضوء​ الاخضر الدولي، فقطع التمويل عنها وعدم تمهيد الارضيّة السياسيّة والدبلوماسيّة لانجاحها هما بمثابة ابقائها مجمّدة حتى اشعار آخر. والبحث في هذه النقطة في ​موسكو​ لن يسرّع في العملية، ولكنه سيكون ثقلاً اضافياً في ميزان الدعوات من اجل عودة النازحين والتخفيف عن لبنان في هذا المجال. ولروسيا القدرة على اعطاء الضمانات الامنيّة والسياسيّة من اجل عودة آمنة للسوريين الّذين لجأوا الى دول اخرى هرباً من الحرب وويلاتها، وهذا ما سيعوّل عليه لبنان من اجل التسويق لما ينادي به محلياً واقليمياً ودولياً.

اما في ما يخصّ موضوع ​السلاح​ للجيش اللبناني، فلا يزال الملفّ حاضراً في الاذهان لانّه منذ فترة قصيرة جداً كان حديث عن استياء روسي من عدم قبول لبنان للمساعدات العسكريّة، وحصل اخذ ورد وتبرير من هنا وآخر من هناك. اما واقع الامور فيشير بوضوح الى أنّ الفيتو الاميركي على تسليح الجيش لم يتم رفعه بعد، وانها القناة الوحيدة التي تزوّد الجيش بالاسلحة او التي يتم عبرها تمرير انواع محددة منه اليه. ومع ان موسكو كانت خلال فترة ولاية الرئيس السابق ​ميشال سليمان​ مستعدّة لتزويد لبنان بسلاح نوعيّ، الا انها كانت تصطدم دائماً بحائط اميركي صلب في هذا المجال، يبقى قائماً حتى اليوم.

وفي ما خص مسألة التنقيب عن النفط، فقد تم التوقيع مع شركة "نوفاتيك" الروسيّة بالاضافة الى شركتي "​توتال​" الفرنسية و"ايني" الايطالية، وفي هذا الاطار قد يكون هناك من دور اكبر للروس كي يلعبوه في هذا المجال. فهم من جهة على اتصال وطيد بالاسرائيليين، كما ان لهم مصلحة مباشرة في مسألة التنقيب عن ​النفط والغاز​ في لبنان، وبالتالي يمكنهم فتح قنوات اتصال بشكل اكبر واشمل واكثر جدية مع اطراف دولية عديدة للوصول الى قاسم مشترك يضمن عدم عرقلة هذا المسار. واذا ما تم هذا الامر، فإن الافادة ستكون مزدوجة ايّ للبنان وروسيا معاً اضافة الى ​فرنسا​ و​ايطاليا​ بطبيعة الحال، كما ان مردود نجاح المسعى الروسي في هذا الشأن سيكون كبيراً وسيترك بصماته على مستقبل العلاقة النفطية مع لبنان.

تبقى زيارة عون الى موسكو مهمّة، ولكن دعونا لا نثقلها بالنتائج المسبقة، ولتكن التوقعات على قدر الواقع وليس على قدر الآمال.