على مدى الأشهر السابقة، نجح الأفرقاء السياسيون في ​لبنان​ في تجاوز الكثير من الخلافات في ما بينهم، لإبرام العديد من التسويات البارزة، لدرجة أن معظمهم أقر بنهاية مرحلة الإنقسام الذي ولد بعد إغتيال رئيس ​الحكومة​ الراحل ​رفيق الحريري​، أي 8 و​14 آذار​، إلا أن معركة ​مكافحة الفساد​، التي يتوافق الجميع على فتحها اليوم، يبدو أنها ستعيد الأمور إلى ما كانت عليه، لا سيّما مع إرتفاع الخطوط الحمراء.

هذا الواقع، ظهر جلياً مع فتح ملفّ الحسابات الماليّة، بعد إنجاز ​وزارة المال​يّة المهمّة المطلوبة منها منذ سنوات، بالتزامن مع فتح "​حزب الله​" هذا الملفّ على مصراعيه، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة الأسبق ​فؤاد السنيورة​ إلى "الإستنفار"، وصولاً إلى إعلان تيار "المستقبل" دعمه الكامل له، لحدّ القول إنه يمثل الطائفة السنّية، في حين كان مفتي ​الجمهورية​ ​عبد اللطيف دريان​ قد أعلن أن السنيورة هو خط أحمر.

ما تقدّم لا ينطبق فقط على السنيورة، بل يشمل أيضاً مسؤولين سياسيين وموظفين، بدأ الحديث عن خطوط حمراء لحمايتهم، في حين ينتظر آخرون هذه الحماية في حال تمّ التلميح إليهم بأيّ أمر، الأمر الذي يدفع مصادر سياسيّة مطّلعة، عبر "​النشرة​"، إلى التعبير عن مخاوفها من أن يكون المطلوب هو الإقرار بوجود إرتكبات من دون محاسبة، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وبالتالي الذهاب إلى تسويات على هذه الملفات، خصوصاً أنّ التجربة اللبنانيّة على هذا الصعيد غير مشجعة.

من وجهة نظر هذه المصادر، كان من الأفضل ترك كلّ هذه الملفات إلى السلطات القضائيّة، لتقرّر ما يجب القيام به على هذا الصعيد، لكنها ترى أن الذهاب إلى الحملات الإعلاميّة المضادّة سيكون كفيلاً، كما هو حاصل اليوم، في تحويل أيّ ملفّ إلى صراع طائفي أو مذهبي، وبالتالي من الممكن أن تقود محاسبة أيّ مسؤول أو موظّف، مهما كان موقعه، إلى حرب داخليّة، في حين أنه في غالبيّة دول ​العالم​ تتمّ محاسبة أيّ مرتكب دون أن يجد من يقف إلى جانبه.

بالنسبة إلى الضجّة المثارة حول ملفّ الحسابات الماليّة، ترفض مصادر وزارة المال، عبر "النشرة"، التعليق على ما أدلى به مدير عام الوزارة آلان بيفاني أو ما عرضه رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وتشير إلى أن الوزير ​علي حسن خليل​ لا يريد ولا يسعى للدخول في سجالات شخصيّة مع أحد حول هذا الملف، كونه قام بواجبه الذي يمليه عليه ضميره الوطني لبناء الدولة لا من أجل اتهام فلان أو آخر، وتشدّد على أنّ الحسابات أصبحت بعهدة ​القضاء​ المختص المدعوّ للقيام بواجبه كاملا، مع التأكيد بأن لا "خيمة فوق رأس أحد".

وتشدد هذه المصادر على أن رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ لم يتدخّل بعمل وزير المال، ولكنه أصرّ على نقطة واحدة هي عدم استغلال أو تحويل قضيّة الحسابات الماليّة الى خلاف سياسي مع أحد، وترك القضاء يأخذ مجراه، لأن أي تسييس لهذه المسألة يعني ضياع العمل.

إنطلاقاً من هذا الواقع، ترى المصادر السياسيّة المطّلعة أن الدولة بمسؤوليها وطوائفها تريد، على ما يبدو، رفع شعار مكافحة الفساد من دون العمل على ذلك، باستثناء السعي إلى إزالة "البسطات" المخالفة على الطرقات العامّة، وبالتالي من يستحق العقاب هم هؤلاء الفقراء الذين "يغتصبون" الأملاك العامّة لتحصيل لقمة العيش، بينما الذين "يغتصبون" المال العام على مرّ السنوات أو "يغتصبون" الأملاك البحريّة، على سبيل المثال، ليس هناك ما يستدعي محاسبتهم.

في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ استمرار رسم الخطوط الحمراء سيجعل من مكافحة الفساد نكتة سمجة، لن تنطلي على اللبنانيين ولا على ​المجتمع الدولي​، الذي يربط أيّ مساعدة بتحقيق الإصلاحات.