استوقفتني صديقتي الأُستاذة الجامعية، بعدما استوقَفَها ما قرأتُه على حائط مُدَوّنتي الإلكترونية بمناسبة يوم ​المرأة​ العالمي، لتقول لي: "يوم المُداهنة العالمي؟! لا، لا، هذا ليس أنت"!. ولِمَن لا يَعرِف، فالمُداهنَة هي المُسايَرَةُ والمُلايَنَةُ. والمُداهِن هو مَن يُسايِرُ ويُلايِن ويُظهِرُ من الودِّ والتعاطف خلافَ ما يُضمِر. وأنا على ثِقَةٍ تامّة يا صديقتي، بأن هذا اليوم شَهِدَ النسبة الأعلى من المُداهنة، فأُظهِرَ للمرأة من الودِّ والإحترام خِلاف ما يُضمَر، واُعطي لها بالقول ما لا يُعطى لها عادةً بالفعل. ناهيكِ عن أنّ أبا طنجَر (إسمٌ مستعار) الذي لطالما قرع طبول الحرب في وجه زوجته المسكينة، هادنها وداهنها، فأهداها في هذا النهار باقة من الورود مع بطاقة ممهورة بإمضائه مكتوبٌ عليها بصيغة اعتذار "مَن ضربَك أحبّك".

هو، بدون أيّ شكّ، يومٌ عظيمٌ في حياة المرأة، ولكنه يَمضي لتعود الأمور إلى سابق عهدها من الإجحاف، لا بل الإقصاء، لا بل الإذلال، لا بل التغافل، ولي أسبابي في قولي، ولا أعتقدُ أنّنَي على ضلالٍ.

إذاً يا صديقتي، لَم يكن في ما كتبتُ إساءةً، بل دفعاً إلى مواقف صادقة تُترجم تقديراً عمليّاً لكِ كامرأة، وللمرأة بشكلٍ عام، قائماً على احترامها في شخصها وأُنوثتها وفكرها وعطائها. وهو ما لا يلوح، للأسف الشديد، في أفق بلاد الضّاد، بسبب الذهنيّة الذكوريّة التي تتحَكَّم بمداخل هذه البلاد ومخارِجِها، والقائمة على أولويّة الذَّكَر وأحقيَّة الذَّكّر وفهامة الذَّكَر وذكاء الذَّكَر، والمُعَزَّزة ببعض الموروثات الثقافيّة والدينيّة والتشريعات القانونيّة الجائرة، التي لا ترى في النساء سوى أوعية للإنجاب وأدوات لخدمة الذكور وإمتاعهم، والقادرة إلى الآن، على بسط سطوتها على الفكر والتقاليد البالية التي تُقيِّم الإنسان وأفعاله وأقواله على قاعدة رجل–امرأة.

وفي تفسيرٍ أشد عُمقاً لِما أعنيه، فالمرأة المُقَدَّرةُ أيّ تقديرٍ في يومها العالمي، مغبونَةٌ طوال الأيام غير العالميّة، لا بل مُمتهَنَة في شخصها وقُدُراتِها وكرامتها وأنوثتها وحريّتها، ومحجورٌ عليها في بوتقة الذكوريّة، بحيثُ لا يُسمح لها إلاّ بقليلٍ من الحريّة وقليلٍ من الفاعليّة وقليلٍ من الكلام وقليلٍ من المواقع، لِحِفظ ماء الوجه ليس إلاّ، مع الإحتفاظ بتلك الدَّسِمة للرجال، حتى ولو كانوا أشباه رجال، ذلك أنّ أشباهُ الرِّجال في مجتمعاتنا المراهِقَة، أشَدّ بأساً وقُدرةً وفُروسَةً من أقدر النساء وأوسعهنَّ معرفَةً وأكثرهنَّ ثقافة وأعمقهُنّ تفكيراً وأبلَغهنَّ حكمةً. أوليس هذا ما يبدو جلياً في الشأنين الدنيوي والديني، حيث يكشف غياب المرأة عن مواقع القرار ذكوريّة فاقعة، لا تُقيمُ وزناً للنساء، كون الذكورة أعلى شأناً من الأنوثة؟.

فيا صديقتي، إنّ تهنئة المرأة في عيدها العالمي، حَقٌّ لها وواجِبٌ علينا. ولكنه حقُّ لها وواجِبٌ علينا أيضاً، أن لا نُداهِنَ فنكذِبَ في احترامنا وتقديرنا لهذا الكائن الذي يُعطي ​الحياة​ ويُضيف إلى البشرية عاصفةَ صدق، ومكيال حكمة، ومعين حنان، وكمّ جمال.