وصلت رسائل أميركية صريحة سبقت الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​ الى ​بيروت​ خلال الشهر الجاري، تعترض على تطوّر العلاقة بين ​لبنان​ و​روسيا​، سياسياً، واقتصادياً، خصوصاً في مجال ​النفط​ والغاز، بعد توقيع العقد اللبناني مع شركة "روس نفط".

صحيح أن مساعد وزير ​الخارجية الأميركية​ دايفيد ساترفيلد دفع في زيارته الى بيروت اللبنانيين لعدم الانسجام مع السياسات ال​إيران​ية، وركّز على "​حزب الله​"، وعبّر عن رأي بلاده بضرورة رص صفوف حلفاء ​واشنطن​ في لبنان ضد "حزب الله"، لكن الإهتمام الأميركي ظهر بشكل رئيسي حول "التمدّد الروسي في لبنان"، قبل زيارة مرتقبة ل​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ الى ​موسكو​، ستُتَوّج بتوقيع اتفاقيات لبنانية-روسية، لا يريد الأميركيون أن تطال الشؤون العسكريّة تدريباً أو تسليحاً، ولا النفطيّة والغازيّة، ولا اعادة ​النازحين السوريين​ المتواجدين في لبنان الى بلادهم.

يبدو ​اللبنانيون​ في وضع حسّاس، فهم يريدون بتّ ملف النازحين عبر دور روسي في مبادرة أعدّتها موسكو وهي كاملة الأوصاف، كما يوحي الروس. هذا الموضوع يحتل الأولويّة في زيارة رئيس الجمهورية لروسيا، لكن عوائق غربيّة تمنع تنفيذ الارادة اللبنانية، بحجة أن الأموال المخصّصة في مؤتمر "سيدر" المرتقب تنفيذ بنوده عبر قروض وتسهيلات، هي لإبقاء النازحين في لبنان حالياً، وتأمين فرص عمل لهم في مشاريع ​البنى التحتية​ التي يشترط وجودها ممولو "سيدر" قبل تحويل الاموال الى بيروت.

أمّا التعاون العسكري بين الجيشين الروسي واللبناني، فلا تقبل به واشنطن، تحت طائلة وقف تسليح ​الجيش اللبناني​، وتجميد برنامج الدعم والتدريب الذي تخصّصه ​الولايات المتحدة​ للبنان. يعرف الأميركيون ان لبنان لا يستطيع مخالفة رغبتهم، بسبب ارتباط نوعيّة ​السلاح​ لدى الجيش اللبناني بالصناعات الأميركيّة، فيما يستطيع الأميركيّون رفع البطاقة الماليّة الحمراء لمنع أيّ تنسيق عملي متطور بين موسكو وبيروت في ملفات اقتصاديّة، لذلك طلب ساترفيلد وقف المشاريع التعاونية الاستثماريّة بين لبنان وروسيا، "روس نفط" تحديداً التي ستتواجد في ​طرابلس​ بعد توقيع عقد مع لبنان لإدارة مرفأ لتخزين النفط لمدة عشرين عاماً، وهو يبعد بضعة كيلومترات فقط عن قاعدة حامات التي يهتم بها الأميركيّون. وتلك مسألة إضافية لعرقلة الخطوة الروسيّة الاستراتيجيّة في لبنان. طلبات ساترفيلد جاءت تلخّص طرح معادلة: اما معنا، او مع الروس، على ان يسمع بومبيو الجواب من المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته المرتقبة الى بيروت.

فماذا سيفعل اللبنانيّون ازاء الضغوط الاميركيّة: امّا واشنطن او موسكو؟

اذا كانت ​تركيا​ واجهت ذات الضغوط الاميركيّة لوقف تعاون انقره مع موسكو، ومحاولة واشنطن منع صفقة ​صواريخ​ اس 400، لكن الأتراك قاوموا قرارات الأميركيين، لأنّ تركيا دولة مقتدرة، لا تعتمد كلبنان على الدعم الخارجي الذي يمكن ان يتوقّف بإشارة أميركيّة بسيطة. علماً أن دولاً عربيّة حليفة للاميركيين ستترجم طلبات واشنطن إزاء لبنان، في حال رغبت واشنطن، كما فعلت تلك الدول العربيّة بشأن تجميد خطوات العودة الى دمشق وعدم إعادة افتتاح سفارات عربيّة فيها. ويتوقّع مراقبون ان يقدم سياسيون لبنانيون على استمزاج رأي عواصم خليجيّة، قبل اتّخاذ ايّ خطوة في شأن الضغوط الاميركيّة.

لكن تلك التهديدات التي ينساق معها لبنانيون لا تنطبق على واقع لبنان الآن. فلا إمكانيّة للأميركيين بتنفيذ تهديداتهم، لأنّ التمدّد الروسي حينها، سيكون أسرع وأسهل، وهو ما لا ترغب به واشنطن بإخلاء الساحة اللبنانيّة للروس، الذين يقيمون علاقات قويّة مع القوى اللبنانيّة، ويملكون نفوذا واسعا في ​سوريا​، وتحالفات مع كل من تركيا وإيران و​إسرائيل​. لذلك، يعرف الأميركيّون أنّ الروس قادرون وحدهم على فرض الضبط الميداني والسياسي، في كل المحاور، بفضل علاقاتهم مع افرقاء النزاع في منطقة ​الشرق الأوسط​.