من نافل القول التذكير بان ​القضاء​ الدستوري يعتبر اليوم من دعائم النظام الديمقراطي ووسيلة فعالة لضمان الحقوق والحريات. وحجر الزاوية في بناء دولة القانون. فأضحت اليوم الدولة لا تستحق وصف دولة القانون اذا لم يكن القانون خاضعا للرقابة الدستوريّة، ووجود المحاكم الدستورية التي تتولى هذه المهمة، باعتبار القضاء الدستوري هو المرجع الاول المعني بحماية الحقوق والحريات العامة، ومن ذلك انطلق القضاء الدستوري ليضطلع بمهمة سامية لا تقتصر فقط على الإخضاع التقني لأجهزة الدولة لجهة احترام مبدأ هرمية القوانين، بل ليجسد الآلية التي من خلالها تخضع الدولة لاحترام الحريات العامة للإنسان بحيث لا تكون دولة القانون الا عندما تعتمد تطبيق القانون المعبر عن تلك القيم والحقوق والذي يعطى للمواطن حقوقا بمواجهة السلطة( ). وقد اعتمد القضاء الدستوري للوصول إلى غايته من وراء الرقابة الدستورية وسائل وآليات ومفاهيم دستورية متقدمة تقارب التطور المستمر في حياة الإنسان من الجوانب الاجتماعية، ويستنبط الأحكام الهامة التي تؤسس لقواعد جوهرية في منهاجه القضائي التي غدت تعتمدها معظم هيئات الرقابة الدستورية في أحكامها لبلوغ هدف حماية الحريات العامة للمواطنين وحقوقهم الفردية. بالرغم من الانتقادات والضغوط السياسية التى تلاحقه منذ وقت انشائه وتعرضه لحملة ضغوط سياسية واسعة وتشكيك بدوره من قبل الفرقاء السياسيين في كل مرة تصيب حيثيات قراراته مصالحهم بالابطال. ومؤخرا برزت تلك الانتقادات والنقاشات فور صدور قراراته في الطعون الانتخابية المتصلة ب​انتخابات​ ايار 2018. يتأتى اختصاص ​المجلس الدستوري​ بالبت بهذه الطعون بموجب المادة 19 من الدستور ال​لبنان​ي والمادة 31 من قانون نظامه الداخلي رقم 516/1996 اللتين اولته الى جانب رقابة دستورية القوانين مهمة الفصل في صحة انتخابات اعضاء ​مجلس النواب​ والنظر في النزاعات والطعون الناشئة عنها. ومعلوم لدى القضاء الدستوري انه لا يعرف الا الاحكام القطعية المبرمة النهائية فحكم هيئات الرقابة الدستورية هو قاطع للنزاع فأما انه يقضي بصورة قطعية مبرمة بأن موضوع النزاع صحيح فيرد الطعن او يقضي بعدم صحته فيبطل النيابة. فيحدث جراء قراره انزعاج القوى السياسية المتضررة وتظهر الانتقادات السياسية ويظهر للمراقب في البداية أن تنفيذ تلك القرارات مستحيل.

الا ان أحكام المادة المادة 13 من قانون إنشاء المجلس الدستوري رقم 250/93، التى تنص على أن "تتمتع القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري بقوة القضية المحكمة وهي ملزمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والإدارية"، وهذا مفاده أن قرارات المجلس الدستوري مبرمة ولا تقبل أي طريق من طرق المراجعة العادية أو غير العادية ، دائما تعيق طموحات تلك القوى السياسية الكامنة في رغبتها في تجاوز أحكام المجلس الدستوري، حيث غالباً ما يصدر المجلس الدستوري قراراته في جو سياسي سلبي، فبالعودة الى قرار المجلس الدستوري الذي ابطل انتخاب المرشح المعلن فوزها السيدة جمالي واعلن المقعد شاغرا في ​طرابلس​ كون الفارق ضئيل لا يعول عليه بدلا من اعلان فوز الطاعن نتيجة طعنه. في ضوء ذلك، يبرز السؤال القانوني التالي: أليس من حق الطاعن وهو صاحب المصلحة المباشرة بالطعن الذي يعطيه الدستور الحق في اللجوء الى المجلس الدستوري طاعنا بعدم سلامة العملية الانتخابية ومطالبا المجلس الدستوري اعلان فوزه هو بالمقعد النيابي ان يستفيد من طعنه ويحصل على مبتغاه؟، ذلك من شأن إبطال نيابة المرشح المعلن فوزه أن يحقق فائدة عملية للطاعن، فيمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في المراجعة الدستورية عما كان عليه قبل رفعها، لا سيما وان فارق الاصوات حتى ولو كان ضئيلا ولا يذيد عن سبعة بالاف الا انه يرجح كفته بالفوز وقد تحقق وفقا ل​قانون الانتخاب​ النسبي الذى يعد الاكثر عدالة بالتمثيل والمطبق لاول مرة في لبنان ، اما ​تقرير​ اعادة الانتخاب وفقا لقانون الانتخاب الاكثري فانه يجافي مبدأ الانصاف والعدالة إزاء حق من الحقوق الدستورية نازع فيها صاحب المصلحة الاكيدة، باعتبار ان التوازنات السياسية في ظل الاقتراع الاكثري تختلف عن تلك الموجودة في نظام اللوائح و​النسبية​ وقد لا تنصف الطاعن وبالتالي يخسر الترضية التى يتوخاها من مراجعته الدستورية. ومن جهة ثانية قد يؤسس هذا التوجه بمقاربة الطعون الانتخابية على نحو ابطال العملية الانتخابية وعدم اعلان فوز الطاعن، على تشجيع المخالفات واثقال العملية الانتخابية في كل مرة تجري على قاعدة النسبية بعيوب جسيمة وجوهرية من قبل ممن لا يضمنون الفوز بالمقعد النيابي والالتفاف على نتيجتها للفوز بالمقعد النيابي بعد اعادة الانتخاب وفقا للقانون الاكثري طبقا للنص.

لكن هذا التحليل القانوني المجرد لا يصمد ازاء الاجتهاد الدستوري المستقر ففي قراره رقم 10/1997 أوضح المجلس الدستوري المعايير الواجبة الإتباع في الاجتهاد الدستوري في شأن منازعات عضوية البرلمان وذلك بقوله " وحيث أنه إذا كان قانون انشاء المجلس الدستوري والقانون المتعلق بنظامه الداخلي يعطيان صلاحية إعلان عدم صحة نيابة النائب المطعون في صحة نيابته، واعتبار انتخابه باطلا، ومن ثم اعلان فوز المرشح الحائز الأغلبية التى تؤهله للنيابة، فإنه لا يمتنع عليه إبطال الانتخاب، بدلا من تصحيح النتيجة، عندما يتحقق من وجود مخالفات جسيمة من شأنها التأثير في حرية الانتخاب ونزاهته، في حال عدم تمكنه بصورة دقيقة وقاطعة، من إحصاء عدد الاصوات المشوبة بعيوب جسيمة. وحيث أن المجلس بما له من حق التقدير يقرر ابطال الانتخاب"

وهكذا وبناء على النصوص والاجتهادات المشار اليها والتحليل السابق نجد انه ليس من ضرورة لابطال العملية الانتخابية في الدائرة الصغرى واعادتها على قانون مغاير، فكان هذا برأينا من شأنه ان يشكل انسجاما مع المسار السابق من الاجتهاد لو كانت العملية الانتخابية الفرعية ستعاد وفقا لذات قانون الانتخاب النسبي، وفي غير ذلك ايضا يشكل مخالفة لمبدأ المساواة لاختلاف المراكز القانونية لكل من الناخبين والمرشحين بين القانونين، وكان الاجدر اعلان فوز المرشح الطاعن.