من المُنتظر أن يقوم وزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​ بجولة جديدة مُهمّة في ​الشرق الأوسط​ خلال الأيّام المُقبلة، ستشمل في إحدى محطّاتها لبنان، مع التذكير أنّ بومبيو كان أدّى اليمين الدُستورية كوزير لخارجية بلاده في نيسان من العام 2018، علمًا أنّه شغل قبل ذلك منصب مدير وكالة الإستخبارات المركزيّة لأشهر عدّة. فما هي أبرز التوقّعات بشأن هذه الزيارة، وما هي أسباب إنفعال وإستياء "​حزب الله​" والتي ظهرت في التصعيد الكلامي الأخير لأمين عام "الحزب" السيّد ​حسن نصر الله​؟.

لا بُدّ من الإشارة بداية إلى أنّ زيارة الوزير بومبيو تأتي إستكمالاً لسلسلة من الجولات التي قام بها عدد من كبار المسؤولين الأميركيّين في الشرق الأوسط، ومن بينهم مُساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ​ديفيد ساترفيلد​، ووكيل وزير الخارجيّة الأميركيّة للشؤون السياسيّة ​ديفيد هيل​، وهي ستُركّز-كما سابقاتها، على سُبل تفعيل العُقوبات الأميركيّة المُتصاعدة ضُدّ ​إيران​ بالدرجة الأولى، وضُدّ القوى المَدعومة والمُموّلة من طهران، على غرار "حزب الله".

ويَنوي وزير الخارجيّة الأميركي تحريك خُطّة أميركيّة ميدانيّة لتشديد الخناق المالي والإقتصادي على إيران، ولمنع هذه الأخيرة من الإلتفاف على العُقوبات المَفروضة عليها، والتي أخدت منحَى تصاعديًا خلال الأشهر القليلة الماضية. وبحسب المعلومات المُتوفّرة إنّ المسؤولين الأميركيّين يستكملون في زياراتهم إلى المنطقة بناء التحالف الإقليمي الإستراتيجي ضُدّ الجُمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، والذي كان قد تظهّر أكثر في "مؤتمر وارسو" الذي عُقد في 14 شباط الماضي، والذي تغيّب عنه لبنان الرسمي منعًا للإحراج. وإذا كانت بعض الدول العربيّة والخليجيّة بالتحديد، مُتحمّسة جدًا لهذا التحالف، فإنّ دولاً أخرى ترفضه أو تتهرّب منه على أقلّ تقدير، وتقوم الدبلوماسيّة الأميركيّة بتخيير هذه الدُول بين الإنضواء ضُمن هذا التحالف أو على الأقلّ عدم الوُقوف بوجهه، وعدم تسهيل الأمر على إيران للتهرّب من العُقوبات المفروضة عليها وتلك المَنوي إضافتها في المرحلة المُقبلة.

ولا شكّ أنّ لبنان الذي يتبنّى نظريًا موقفًا حياديًا من قضايا المنطقة ومن الخلافات في الشرق الأوسط، هو أكثر من مُحرج إزاء زيارة بومبيو، ولا يُمكنه بأي شكل من الأشكال تأييد أهدافها الفعليّة. وهذا ما يدفع بعض المسؤولين الرسميّين إلى التهرّب من مُقابلة المُوفدين الأميركيّين، وبعضهم الآخر إلى إطلاق مواقف رمادية ومُنخفضة السقف إزاء الصراع الحاد في المنطقة. لكنّ الإدارة الأميركيّة تتعامل هذه المرّة مع دول الشرق الأوسط المعنيّة بخططها للمنطقة، ومنها لبنان، بمنطق "إمّا معنا أو ضدّنا" ما يعني أنّ موجة جديدة من الضُغوط مُنتظرة ضُدّ لبنان، لحمله على فصل موقفه الرسمي عن موقف "حزب الله"، وللسعي لعدم تأمين أيّ تغطية من أيّ نوع للحزب. والضُغوط الأميركيّة تشمل أيضًا المصارف، لجهة مُطالبتها بتبرير العمليّات الماليّة الخارجيّة بدقّة، بحجّة مُراقبة مصادر ​تمويل الإرهاب​، بحسب التبريرات الأميركيّة.

من هنا يمرّ "حزب الله" في هذه المرحلة بفترة من الإستياء الشديد، كون الخناق المالي والإقتصادي الذي تواجهه إيران حاليًا، بدأ يُرخي بظلاله على قُدراته الماليّة، والمرحلة المُقبلة لا تبدو مُطمئنة حيث أنّ العقوبات على إيران مُرشّحة للإشتداد، مع نجاح الإدارة الأميركيّة في إدخال المزيد من الدول العربيّة والغربيّة في دائرة الدول التي تفرض حصارًا على إيران، وعلى الفصائل والأحزاب والقوى المَدعومة والمُموّلة منها. وليس بسرّ أنّ "الحزب" الذي كان دائمًا يستخفّ بتأثير العُقوبات على إيران وعليه أيضًا، حرّك في المرحلة الأخيرة مسألة "جهاد المال"، في دليل على الضائقة الماليّة المُتصاعدة التي يُعاني منها، خاصة وأنّ تصنيف جناحه السياسي بالإرهابي من قبل ​بريطانيا​ وبعض الجهات الأخرى، من شأنه أن يزيد من المصاعب التي يُحاول "الحزب" أن يتجاوزها بأقلّ ضرر مُمكن.

وبالنسبة إلى تصعيد "حزب الله" ضُدّ الفساد فهو نوع من تفريغ للغضب من الضائقة الماليّة التي يُعاني منها، ومن الإنتقام السياسي من جهات محليّة كانت في موقع الخصم السياسي الشرس بوجهه خلال مرحلة ما بعد "​ثورة الأرز​"، وكذلك لإلهاء البيئة الحاضنة بمعركة سياسيّة-إعلاميّة جديدة، لشدّ العصب من جهة، ولحرف الإنتباه عن المصاعب الماليّة التي تُواجه مُختلف شرائح المُجتمع اللبناني في هذه المرحلة، ومن بينها الجهات المؤيّدة للحزب من جهة أخرى.

في الخُلاصة، الأكيد أنّ العُقوبات الأميركيّة-الغربيّة-الخليجيّة على إيران ستتصاعد في المرحلة المُقبلة، والأكيد أنّ الضُغوط الأميركيّة على لبنان ستتصاعد إنطلاقًا من هذا الأمر. وبالتالي، إنّ "حزب الله" لن يقف بموقف المُتفرّج إزاء ما يحصل، وهو سيعتمد سياسة الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، لتوجيه رسائل حازمة ضُدّ أيّ جهة قد تُفكّر في الإلتحاق بما تُخطّط له الإدارة الأميركيّة لمنطقة الشرق الأوسط.