وضع الكلام الذي اطلقه الامين العام ل​حزب الله​ ​السيد حسن نصر الله​ منذ ايام قليلة، اعتباراً جديداً للمعركة ضد الفساد والهدر التي اعلن عنها الجميع، والتي باتت على كل شفة ولسان. امور كثيرة قالها نصر الله، ولكن اللافت كان تأكيده ان الحزب قرر الذهاب في هذه المعركة الى النهاية، حتى انه شبهها بالمعركة ضد ​اسرائيل​، وبأنه (اي الحزب) سيراقب كيف سيتصرف ​القضاء​ حيال المواضيع التي ستصل اليه تباعاً.

اجاب نصر الله ضمناً على كلام قيل بأن الهدف من فتح ملفات الفساد هو استهداف لشخص او لحزب او تيار، وشدّد على ان هذه المسألة غير مطروحة، ليسحب بالتالي فتيل أزمة مع فاعليات سياسية ليس لاحد مصلحة في افتعالها. ولكن في المقابل، كان نصر الله اكثر خطورة حين اكد وشدد على ان المعركة لن تستكين قبل وصول الامور الى خواتيمها، وعلى وجوب الا يراهن أيّ شخص على العقبات التي ستعترض الملفات لانها ستذلّل ولن تمنع القطار من اكمال مسيرته.

ورأى البعض في هذا الكلام، تطميناً للقلقين من احتمال اندلاع حرب على الحدود الجنوبية، لانهم اعتبروا ان هذا التركيز وهذه اللجهة القوية التي تطرق فيها نصر الله الى مسألة الفساد ومحاربته، اوحت بأن التركيز على هذا الامر اتى بسبب استبعاد اندلاع أيّ حرب في المدى القريب، وهذا يعني ان لا الحزب ولا اسرائيل في وارد خوض هذه المواجهة العسكريّة المتجدّدة، لانشغال كل منهما بأمور داخليّة.

اما موضوع ​محاربة الفساد​، فقدّم له نصر الله بشرح الازمة التي يتعرض لها الحزب على الصعيد الاقتصادي، وهو ما اعترف به الامين العام لحزب الله دون ان يعتبره ناجحاً لان "مصيره الفشل" كما قال. وبدا بالتالي وكأن الحزب يقوم برد فعل عكسي على هذه الحرب التي شُنّت عليه من خلال اظهار اهميّته داخل ​المجتمع اللبناني​، وقطع الطريق على ايّ محاولة لتأليب الرأي العام المحلي عليه، فإذا نجح الحزب في كسر هالة العجز عن محاربة الفساد، فسيلقى ترحيباً من كل فئات المجتمع حتى اولئك الذين يختلفون معه جذرياً برؤيته السياسية. ولكن، في مقابل الدخول في مواجهة مع الفساد والفاسدين، وضع الحزب نفسه في مواجهة مع القضاء، فقد كان نصر الله واضحاً حين قال بوجود بعض من يبدي استياءه من الطريقة التي يتعامل بها بعض القضاة مع الملفّات القضائيّة، وان الحزب سيراقب قرارات القضاء في ملفّات الفساد. هذا الامر يعني انه في حال لم تسر الامور كما يجب قضائياً، سيكون الحزب في مواجهة مع الجسم القضائي، وهي مواجهة من شأنها القضاء نهائياً على أيّ بارقة أمل في وضع حدّ للهدر والفساد.

ولا شك انه في حال حصلت هذه المواجهة، سيكون خصوم حزب الله في السيّاسة، على موعد مع جولة جديدة لهم مع الحزب من باب انه يسيطر على مؤسسات الدولة، وانه غير راض عن مؤسسة القضاء التي يعود اليها البتّ في الملفات والنزاعات. واذا حصلت المواجهة بين الحزب والقضاء، فسيكون المتضررون كثر واولهم لبنان الذي سيعاني من انفراط الوحدة التي تجلّت بين ابنائه حول موضوع الفساد ومكافحته. ولكن الاهمّ يبقى في معرفة من الّذي سينتصر في مثل هذه المعركة، فإذا انتصر الحزب، فهذا معناه ان هناك مشكلة حقيقية في مسألة القضاء يجب على المعنيين حلّها في اسرع وقت ممكن، وستفقد شريحة كبيرة من اللبنانيين ثقتها بالقضاء، كما قد تتخذه بعض الدول الخارجيّة ذريعة لزعزعة استقرار لبنان والثقة به. اما في حال خسارة الحزب المعركة، فستنعكس سلباً عليه وعلى الصورة التي اراد ان يعطيها لنفسه من انه قادر على خوض معارك استحالت على غيره ويعتبرها الكثيرون مجرد اوهام كالحرب على الفساد، وسيعاني من خسارة معنوية كبيرة قد يكون من الصعب تعويضها.