هل بإمكان المسيحي أن يتزوّج زواجاً مدنيّاً من دون الإساءة الجَسيمة إلى الإيمان والعقيدة؟ هذا ما يجزم بِه مناصِرو تشريع ​الزواج المدني​ في ​لبنان​، من المسيحيين؛ فالزواج المدنيّ، بالنسبة إليهم، لا يؤثّر على صحّة الإيمان!.

وعلى السؤال المطروح نُجيب بسؤال: هل بإمكان الشّخص الذي عقد عقداً مع مؤسّسة ما، وتعهّد بأن يتبع قوانينها، أن يُخلّ بالعقد فيُطبّق قوانين مؤسّسة أُخرى، أو قوانينه الخاصّة، على المؤسّسة التي يعمل فيها؟ ألا يُعَدُّ ذلِك خللاً بالعقد، يؤدّي بالمُخلّ إن لَم يُسرع إلى تصحيح وضعه، إلى إقصاء نفسه من الشّركة؟ بلى. هذا المنطق بالذّات، ينطبق على زواج المسيحي مدنيّا.

هل بإمكان المسيحي الذي قَبِل الإيمان ب​يسوع المسيح​، ومعه بالعقيدة وبدستور ​الحياة​ المسيحيّة، أن يعود فيؤمن بعقيدة أُخرى وبدستور حياة آخر متناقض، من دون أن يُسيء إلى العقيدة والإيمان ومُقتضياتهما؟ هل بإمكان المسيحي أن ينتقي مِن الإيمان ما يتوافق مع قناعاته، ويرفض ما لا يتوافق معها، من دون أن يَجحد الإيمان؟ والسؤال الأخطر في هذا السياق، هل بإمكان المسيحي أن تكون له "حياتان متوازيتان، إحداهما، الحياة المسمّاة روحية، وهي كذلك بقيمها ومقتضياتها؛ والأُخرى التي يقال لها علمانيّة، والتي لها قيمٌ مختلفة عن الأولى أو مضادة لها" (يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، العلمانيون المؤمنون بالمسيح، الفقرة59)، كلا. وإن فعل، ألا يُسمّى ذلِك خيانَةً ومُروقاً عن الإيمان الذي يفترض "طاعة الإيمان"، أي إخضاع العقل والإرادة للّه إخضاعًا كاملاً، وموافقة صاحب الوَحي موافقة كاملة؟ (التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة،142- ١٤٣). بلى.

وهذا الخروج عن العهد، ومحاولة التوفيق بين مبدأين متناقضين، وقيَمٍ وقيَمٍ مُضادّة، يُدعى زِنى؛ فالزّنى في معناه البيبليّ المجازي هو الخروج عن العهد، عهد الحُبّ الذي قطعه الله مع شعبه، وبموجبه يكون لهم إلهاً ويكونون لهُ شعباً(حز37: 27)، والانحراف بالتالي عن عبادة الله الحقّ إلى الآلهة الوثنية(ار 3: 8 و9 وحز 23: 37 و43 هو 2: 2-13). شعب الله يزني، إذاً، عندما يخون ويخرج عن العهد مع الإله الحقيقي ويعبُد آلهةً أُخرى غريبة، وينكث بالعهود المقدسة. وهذه هي حال المتزوّج، فهو يزني، عندما يخلّ بالأمانة الزوجيّة مُتنكّراً لعهد الحبّ الذي قطعه لزوجته، وربطه بها إلى الأبد، ويرتمي في أحضان امرأةٍ أُخرى، والعكس يصحُّ.

وينسحب هذا الواقع على المؤمن المسيحيّ، فهو يَزني عندما يتنكّر لعهد معموديته وللعقيدة المسيحيّة التي قَبل بها مؤمناً، ويرتمي في أحضان عقيدة أُخرى مُتناقضة. وبهذا المعنى فإنَّ المسيحي الذي يتزوج زواجاً مدنياً، زانٍ، أي أنّه خارج عن العهد ومُخلّ به، وعليه بالتالي أن يُصحّح وضعه، فيعود ويتزوّج زواج الذين يعرفون الله.

وللجازمين أن باستطاعتهم أن يعيشوا الشيء ونقيضه، والبقاء في عين الوقت، على الإيمان الحقّ، نقول: الإيمان وِحدَة متكاملة، مترابطة ومتراصّة، فإمّا نقبلها كلّها وإمّا نرفضها. أمّا محاولة التوفيق بين مبدأين متناقضين، فهو أمرٌ غير مقبول البتّة، ويتعارض بقوّة وحقيقة الإيمان الذي يأبى "البين بين"، ويفترض وضوح الرؤية، واستقامة السلوك، وثبات الموقف. هذا ما يحثّ عليه سفر الرؤيا، فيقول: "لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي"(رؤ3: 16).

أن يُشرَّع الزّواج المدني في لبنان، أمرٌ لَن أُساجل به. ولكن أن يُحاول المسيحيّون المُساجلون إقناع أنفسهم وإقناعنا، بأنّهم على الإيمان ثابتون إنْ هُم تزوّجوا مدنيّاً، فهذا دَجَلٌ وكذب وضلال... والسّلام.