قَبْل الدُّخول في “تَجْربة أَبْغض الحَلال”، مع احْتِمال الوقوع ضحيَّة الفَساد المُحْتَمل في قضايا الأَحْوال الشَّخْصيَّة، وفي مُطْلق الأَحْوال، ثمَّة نَصائِح عائليَّة لا بُدَّ مِنْها، وقَدْ قيل قديمًا: دِرْهم وقايةٍ خَيْرٌ مِن قِنْطار عِلاج”!. ومن الأَهميَّة بمكانٍ، في هذا المَجال، الحِفاظ على الأَسْرار الزَّوجيَّة وعدَم تَداولها خارِج أَسْوار المَنْزل، حتَّى لو كان ذلك مع أهل الزَّوجَيْن، فذَلك بمَثابة “القاعِدة الذَّهبيَّة” الَّتي تَعْكس نُضْج الزَّوْجين والقُدْرة على إِدارة حَياتِهما من دون مؤثِّراتٍ خارجيَّة، قد تُزَعْزِع اسْتِقْرارهما…

ويُؤَكِّد مُطَّلعون على قضايا الأَحْوال الشَّخْصيَّة، أَنَّ غالبيَّة ​حالات​ الخِلافات الزَّوجيَّة الَّتي تَصِل إِلى القَضاء مِنْ أَجْل إِتْمام إِجْراءات الطَّلاق، دافعها الرَّغبة في الانْتِقام مِن الطَّرَفَيْن، وفيها نِكْران للجَميل، ونِسْيان للفَضْل والعِشْرة… ما يَفْرض بالتَّالي، التَّحلِّي بقِيَم التَّسامُح والتَّساهل في حالاتٍ كهَذه، تَجْلب إِلى صاحِبها كما وإِلى الأَبْناء، التَّعب والمُعاناة النَّفسيَّة نَتيجة الأَذى الَّذي يَلْحق بِكلِّ طَرَفٍ، نَتيجة الغَضب والرَّغْبة في الانْتِقام وتَصْفية الحِسابات. ولعلَّ أَخْلاق الإِنْسان تَظْهر وَقْت الخِلافات والنِّزاعات، وعندها تَسْقط الأَقْنِعة، وتَظْهر أَصالة القُلوب والأَخْلاق…

وأَمَّا المُحامون الَّذين يَترافَعون عَن الأَزْواج، خِلال النَّظر في النِّزاعات الزَّوجيَّة، فهُم نوعان: إِيْجابيٌّ (غير فاسِد)، وسَلْبّيٌّ (فاسِد) وهذا وجْهٌ آخَر مِن وجُوه الفَساد في دَعاوى الطَّلاق.

الفئة الأَوْلى تُؤدِّي دَوْراً مُجْتَمعيًّا وخُلقيًّا، إِضافةً إِلى اخْتِصاصها في مِثْل هكذا نوعٍ من القَضايا. ويُقدِّم المُحامون في هذه الحال النَّصيحة والحُلول البَديلة عن طَلب الطَّلاق، أَو يُحوِّلون مِلفَّ الخِلاف إِلى المَحْكمة للمُطالَبة بالحُقوق… إِنَّه نَوْع مِن المُحامين الحُرصاء على مَصْلحة الأُسْرة والأَبْناء والمُجْتمع، أَكْثر ممَّا يَحْرصون على مَصْلحتِهم الشَّخْصيَّة…

وأَمَّا النَّوع الثَّاني السَّلْبيّ، فيَفْتَقر إِلى المَسْؤوليَّة الخُلُقيَّة تجاه المُجْتمع، ولا يقدِّم أَيَّ نَصيحَة إِلى الطَّرفَيْن مَهْما كانَت بسيطةً ومُهمَّة، ويَنْظر إِلى ملفِّ الخِلاف الزَّوجيّ على أَنَّه فُرْصَة للتَّكسُّب!. كما ويَسْعى إِلى إِطالة أَمَد الملفِّ، وتَعْقيده، ورُبَّما يُحرِّض الزَّوْج أَو الزَّوْجة على زِيادَة الطَّلبات من الطَّرف الآخَر حتَّى ولَوْ كان ذلك بالكَذِب، مِن أَجْل أَنْ يَرْفع نِسْبة حِصَّته مِن الأَتْعاب الماليَّة… وكُلَّما ازدادَت الطَّلبات أَثْناء الخِلافات الزَّوجيَّة، قلَّت فُرَص الصِّلْح والتَّسْوية بين الأَزْواج المُتخاصِمين.

وفي مُحاولَةٍ للحدِّ مِن الطَّلاق، ثمَّة اتِّجاه الآن إِلى تَخْصيص مُحاضِرين، لإِلْقاء مُحاضَرات تَوْعَويَّة، للمُقْبِلين على الزَّواج. كما ويُشدِّد الخُبَراء على أَهميَّة تَغْليب لُغَة الحِوار والعَقْل، أَثْناء نِقاش المُشْكلات الزَّوجيَّة. فالخلاف هُنا ينبغي ألاّ يكون معركة، يُثْبِت كلُّ طَرَفٍ فِيها أَنَّه الأَقْوى بَلْ يبقى حلُّ المُشْكِلة الهدف الأَساسيَّ من الحِوار.

قصَّتان

ومِن مَحاكم دُبَي يُمكِن الاسْتِشْهاد بِقصَّتين واقعيَّتين: الأَوْلى عَن التَّسرُّع في اتِّخاذ القَرار الخاطِئ من الزَّوج، ما أَنْهى الزَّواج بالطَّلاق، والثَّانية عَن حِكْمة زوجةٍ في عِلاج خلافٍ مَع شَريك حَياتِها، فكانَت النَّتيجة استمراريَّة العلاقة!.

في القصَّة الأَوْلى، كانَت الزَّوْجة صابرةً ولا يُعابُ عَلَيها خُلُق، لكنَّ زوجَها يشكو من عصبيَّةٍ مُفرَطَةٍ، وأُسلوبُه فَظٌّ، فقد اشتَرطَ على زَوْجته أَنْ تَعود مِن حَفْل زفافِ أُخْتِها السَّاعة 12 مُنتَصَف اللَّيل ولا تَزيد… ولمَّا وَصلت الثَّانية عَشْرة وعِشْرين دَقِيقة، لَمْ يَفْتَح لها الباب، وأَرْسل لها رِسالة “أَنْت طالِق”!.

وأَمَّا في تَفاصيل القصَّة الثَّانية فقد حَصل شِجارٌ بَيْن زَوْجَين، وَعلا الصُّراخ، وقد تلفَّظَ الزَّوْج بِكلامٍ جارحٍ، غَيْر أَنَّ الزَّوْجة تَعامَلت مع المَوْقف بِهدوءٍ، بِما أَنَّ هَذا الأَمْر لا يَتكرَّر بَيْنهما إِلاَّ نادِرًا. فما كان من الزَّوْج إِلاَّ أَن اعْتَذر لها، وبرَّر مَوْقفه بأنَّه لم يَقْصد ما صدَر عَنْه مِن كلامٍ قاسٍ، وشكر لها ردَّة فِعْلها!…