فرضت ​إسرائيل​ ملف ​الجولان​ في واجهة الأحداث، بعد زعم جيشها أنّ "​حزب الله​" يشكّل شبكة سرّية، تعمل على جمع المعلومات، لتموضع عسكري، وللتحضير لعمليات ضد أهداف إسرائيلية. تعرف ​تل أبيب​ أن الحزب لا يعلّق عادة على ​أخبار​ أو إدّعاءات إسرائيلية، لا بالنفي ولا بالتأكيد، فلماذا أثارت تل أبيب هذا العنوان الآن؟.

هي بالطبع ليست حرباً نفسية يشنّها الإسرائيليون ضد الحزب أو ضد دمشق، رغم أن الرواية الإسرائيلية حاولت تقديم حبكة عزّزتها بإستحضار محطات تاريخية لا ينكر "حزب الله" وجودها، بشأن تكليفه لجسم مقاوم مخصص لملف القنيطرة-الجولان، لكن الإسرائيليين تحدّثوا عن رغبة تل أبيب بتغيير قواعد اللعبة، بإستخدام "الحرب ​الناعمة​"، عبر إقتصار الامر على التهديد بدل التدخل العسكري. علماً أن إسرائيل لم تعتد على إستخدام هذا النوع من الحروب في ​حالات​ مشابهة ملموسة، ما يؤكد أن إدعاءاتها لا تمت الى الحقيقة بصلة.

لكن الإسرائيليين أرادوا من خلال زعمهم المذكور القول إن الرئيس السوري ​بشار الأسد​ لا يعلم بما يفعله "حزب الله" على الارض السورية جنوباً، بموازاة محاولة إسرائيل تسجيل نقاط في الهدف الروسي، بعد حديث تل أبيب سابقاً عن التزام روسي بضمان عدم إقتراب ​إيران​ أو الحزب إلى الحدود ​الجنوب​ية، لا بل الإبتعاد ٨٠ كيلومتراً عنها داخل العمق السوري.

ثم جاءت الإشارة الأميركية بتغيير ​وزارة الخارجية​ وصفها المعتاد لمرتفعات الجولان من التي "تحتلها إسرائيل" إلى التي "تسيطر عليها إسرائيل"، كما جاء في تقريرها السنوي لحقوق الإنسان، ليُترجم تسريبات صدرت عن مسؤولين إسرائيليين في قائمة "كحول لفان" تفيد بأن الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، "قد يلجأ إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على ​هضبة الجولان​ في هذا التوقيت، بهدف مساعدة رئيس ​الحكومة​ ​بنيامين نتانياهو​، للفوز في انتخابات ​الكنيست​ المقبلة".

ويبدو أن خطوة ترامب ستأتي خلال لقائه مع نتانياهو، في الأيام القليلة المقبلة، ليمنحه فرصة تحقيق انجاز سياسي قبل ​الانتخابات​. فهل يتفرّج الروس على بعثرة رئيس الوزراء الاسرائيلي بإلتزاماته السابقة أمامهم؟.

مجرد سرد الرواية الإسرائيلية لإدّعاء أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يعلم بما تفعله إيران و"حزب الله" في الجولان، وأن ​موسكو​ لم تُترجم وعودها لنتانياهو بشأن إبتعاد الإيرانيين والحزب ٨٠ كيلومتراً عن الحدود، يعني محاولة إسرائيلية للتنصل من الإلتزامات أمام الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​. قد يعتقد نتانياهو أن موسكو تتفهم خطوته قبل الإنتخابات، وهي آخر الأوراق التي تجذب إليه أصوات، بعد الإعلان عن أن وضعه الإنتخابي سيء، كما تفيد إستطلاعات الرأي. لكن تلك الخطوة سترتّب رد فعل من "محور ​المقاومة​"، لن يكون هدية لنتانياهو قبل الإنتخابات، بل سيكون من ضمن إستراتيجية موضوعة يتطلّب تنفيذها تفعيل المقاومة المسلّحة ضد إحتلال، في توقيت الساعة السورية، لأن الخطوة الإسرائيلية قد تكون تهدف ايضاً لضم الجولان بعد إقتطاعه رسمياً ودولياً عن ​سوريا​، إستباقاً لحل سوري مرتقب، تعتقد تل أبيب أنه سيُحدث متغيّرات جغرافية شمالاً من قبل الأتراك، فشدّدت الضغوط لفرض التغييرات الجغرافية في جنوب سوريا ايضاً. لكن ملف الجنوب السوري يختلف كلّياً عن حسابات ​الشمال​، فهوية المحتل واضحة لجهة تشريع مقاومتها، بينما هوية الأتراك شمالاً قد تحتمل التفاوض والأخذ والرد.