هي دلالات ومؤشرات بسيطة، لكنها تحمل معان كبيرة اذا ما وضعت في سياق ​سياسة​ عامة يتم اتّباعها من اجل غايات محددة. هذا ما يجب التوقف عنده في التقرير الاخير الصادر عن وزراة ​الخارجية الاميركية​ والمتعلق ب​حقوق الانسان​، حيث تمّ فيه استبدال عبارة "الاراضي المحتلة" عند الحديث عن مرتفعات ​الجولان​، بعبارة "الاراضي التي تسيطر عليها ​اسرائيل​"، والامر نفسه ينطبق ايضاً عند الحديث عن ​الضفة الغربية​ و​قطاع غزة​.

وفيما لم تشكل التغييرات حول الاراضي ال​فلسطين​يّة المحتلّة مفاجأة في طريقة التعاطي الاميركية مع واقع الاحداث، ونزع أحقيّة الفلسطينيين لها، كان الامر لافتاً في الحديث عن مرتفعات الجولان، خصوصاً وان الكلام عن تقسيم ​سوريا​ "على الورق" وايضاً على صعيد الوضع الميداني، آخذ في التكاثر وسط احداث وتحركات دبلوماسية وعسكرية تفيد بأن هذا الامر بات "محسوماً" ويبقى ايجاد الاخراج الملائم له، وما اذا كان سيتمّ الاعتراف به رسمياً او فقط عملياً.

ما قامت به الادارة الاميركيّة الحاليّة حول الوضع في ​الشرق الاوسط​ وتعاطيها مع الخلاف العربي-الاسرائيلي، لم يسبقها اليه احد من قبل. فالادارات المتعاقبة كانت جميعها تعمد الى الحفاظ على الشكليات وعدم التورط في مواقف قد تؤخذ ضدّها وضدّ مصالحها في اكثر من دولة، وكانت دائماً تحافظ على المسافة المقبولة بينها وبين العرب والاسرائيليين من خلال ابقاء ميزان القوى لصالح الاسرائيليين (عسكرياً واقتصادياً ومالياً...)، مقابل الابقاء على آمال (ولو ضعيفة) للفلسطينيين باستعادة الاراضي التي فقدوها من خلال اعتبار الاميركيين لها بأنها "محتلّة". هذا الوضع استنسخته ادارة الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​، مع فارق اساسي مهم وهو: على الصعيد الفلسطيني ​القضاء​ على أيّ بصيص أمل في استرجاع اراضيهم وحقوقهم، وعلى الصعيد السوري ترسيخ مرتفعات الجولان كأرض اسرائيليّة بحكم الامر الواقع على غرار ما هو حاصل في فلسطين.

المقلق في الموضوع، هو ان تقسيم سوريا لن يتمّ دون موافقة اطراف عديدة وفي مقدّمها ​الولايات المتحدة​ الاميركيّة و​روسيا​، ولعل ما يشجع تحوّل هذا المشروع الى امر واقع، هو غياب أيّ عوامل سياسية ودبلوماسية وعسكرية من شأنها وضع العوائق او تأخير ما يتم التحضير له بالسر والعلن. ولعل تسارع الخطوات في هذا المجال، ينبىء باستعجال اميركي لوضع "صفقة القرن" موضع التنفيذ رغم اعتراض الاطراف المعنيّة عليها، والمخاطرة بعدم اطالة عمرها في حال تحققت بفعل القوة.

ليس من البريء التمهيد لـ"شرعنة" استحصال اسرائيل على ​الاراضي الفلسطينية​، ووضع عقود من الصراع على مرتفعات الجولان جانباً، ولكن من الغريب فعلاً ان تعمد ​واشنطن​ الى فرض امر واقع جديد قبل ارساء الحلّ السياسي في سوريا، وقبل ترسيخ الصورة ​الجديدة​ في الشرق الاوسط التي ينتظرها الجميع بعد الانتهاء من الحلّ في سوريا ومعالجة الاوضاع في ​اليمن​ و​العراق​ و​ليبيا​. فعلى ماذا يعتمد الرئيس الاميركي حالياً من اجل الدفع بخطته هذه قدماً؟ وهل هناك فعلاً من تنسيق دولي في هذا الاطار، سيضع المنطقة امام واقع جغرافي وسياسي جديد؟ وهل للدور العربي المتراجع، ان في مواجهة اسرائيل او في تمتين الصف والتضامن في ما بين ​الدول العربية​، حصة في تشجيع ​الادارة الاميركية​ الحالية على الاستمرار في ما تقوم به؟!.

لا شك انها لحظات صعبة تعيشها المنطقة، ولكن الاستفادة محصورة حالياً بالاسرائيليين فيما العرب يبقون متفرجين على مصيرهم الذي يحضّره لهم الغرب، دون القدرة على الاعتراض...