غالبًا ما يتناول الأهل في لقاءاتهم مع أنسبائهم ومعارفهم مواضيع خاصة بتربية الأولاد، وب​المدارس​ والتعليم عُمومًا، بفعل الإهتمامات المُشتركة على هذا المُستوى. وبحسب تجربتي الشخصيّة، وإنطلاقًا من الخُلاصات التي كوّنتها خلال هذه الأحاديث، إنّ الكثير من أهالي التلاميذ والطُلاب في بعض المدارس الكاثوليكيّة غير راضين إطلاقًا عن أساليب تعاطي كوادر التعليم والإدارة في هذه المدارس. والأسباب كثيرة، وهي على الرغم من أنّها تبدو ثانويّة وغير مُهمّة وربّما سطحيّة مُقارنة بمشاكل وبمصاعب ​الحياة​ عُمومًا، إلا أنّها بالغة الأهميّة للتلاميذ المعنيّين ولكثير من أهاليهم.

بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ سُمعة المدارس الكاثوليكيّة في ​لبنان​ مُمتازة، على صعيد مُستوى التعليم، وتلقائيًا مُستوى نجاح الطُلاب، وكذلك على صعيد نوعية التربية الأخلاقيّة المُهذّبة والمُحترمة، الأمر الذي يدفع الأغلبيّة الساحقة من المسيحيّين إلى إختيار مدرسة كاثوليكيّة لتعليم أولادهم، علمًا أنّ الكثير من الأشخاص المُنتمين إلى طوائف ومذاهب أخرى لا يتردّدون بدورهم في إختيار المدارس الكاثوليكيّة لتعليم أولادهم، إنطلاقًا من هذه السُمعة الممتازة عينها. ولكن هذا الواقع لا ينفي إطلاقًا حُصول شواذات وُوجود ثغرات تستوجب المُعالجة من قبل أعلى المراجع الدينيّة والإداريّة المسؤولة عن إدارة وتوجيه المدارس الكاثوليكيّة عُمومًا.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، من غير المقبول أبدًا ألاّ يتمّ تسليم بعض التلاميذ دفاتر علاماتهم، للضغط على أهاليهم لتسديد ما يتوجّب عليهم من أقساط مدرسيّة مكسورة. فإذا كان الأطفال الصغار يقتنعون بما يُقال لهم بأنّهم لم يتسلّموا دفاتر علاماتهم لأسباب لوجستيّة، فإنّ التلاميذ من عُمر ثماني أو تسع سنوات وما فوق، يفهمون تمامًا أنّهم لم يستلموا دفاتر علامتهم لأنّ أهلم لم يدفعوا الأقساط. وهذا الأمر يُسبّب لهم إحراجًا، ما بعده إحراج، أمام رفاقهم في المدرسة، ويترك في نُفوسهم عقدًا يصعب التخلّص منها بسُهولة، علمًا أنّ لا ذنب لهم سوى أنّ أهلهم تعثّروا في تأمين الأموال اللازمة لتسديد القسط، ما يزيد لديهم من عقدة النقص التي يعيشونها أصلاً نتيجة حال ​الفقر​ والضيق المادي!.

ومن بين الأمثلة الشاذة أيضًا، أجواء الرعب والخوف التي تُخيّم على بعض المدارس الكاثوليكيّة بسبب تشدّد غير مُبرّر من جانب بعض الإدارات، وتحديدًا من قبل عدد من الراهبات اللواتي جرى تكليفهن بمهمّات تربويّة تسمح لهنّ بإصدار الأوامر. وهذا الخوف يُعايشه أطفال بعض المدارس الكاثوليكيّة بدءًا بالصُفوف الإبتدائية، وهو يستمرّ معهم إلى مرحلة التخرّج! فإذا إرتدى أحد التلاميذ ثيابًا من خارج ما هو مُحدّد في المنهج التربوي–رُبّما لأنّ والدته عجزت عن غسل أو تنشيف الثياب الخاصة بالمدرسة في الوقت المناسب، فإنّ "البهدلة" العلنيّة أمام كل الطًلاب في إنتظار هذا التلميذ ما ان يطأ أرض المدرسة! وإذا شاغب أحد التلاميذ القليلي التهذيب في الصفّ–والذي يُفترض ألاّ يكون قد جرى تسجيله في المدرسة من الأساس حتى لو دفع أهله أموالاً طائلة لذلك، فإنّ العقاب الجَمَاعي بحقّ الصفّ بكامله هو من الخيارات الحاضرة دائمًا بشكل غير مُنصف ولا عادل! وإذا فشل تلميذ في فهم ما شرحته المُعلّمة، أو إذا نال تلميذ علامة مُتدنيّة في إحدى المواد لسبب أو لآخر، فإنّ مصيره يكون في بعض الحالات التوجّه إلى أحد الأساتذة المشهور بقساوته في تعامله مع التلاميذ، لتأديبه!.

والمُفارقة أنّ أجواء الخوف والرعب لا تقتصر على التلاميذ، بل تطال المُعلمّات أيضًا! فالضغط المُمارس عليهن من قبل مسؤولي الأقسام، يدفعهنّ إلى الضغط بدورهنّ على التلاميذ بشكل مُبالغ فيه وغير مقبول، إمّا لكسب تقييم إيجابي من الراهبة المسؤولة، وإمّا خوفًا من تحميلهنّ أسباب تأخّر وتقصير تلاميذ صفّهن مُقارنة بتلاميذ باقي الصُفوف مثلاً، مع ما يستتبع ذلك من كلام "عذب" يسمعونه من مسؤولتهم المُباشرة في أغلبيّة الأحيان! وهنا لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الهُوّة في أسلوب التعليم الذي لا يزال مُعتمدًا في مدارسنا مُقارنة بأسلوب التعليم المُطبّق في دول ​العالم​ المُتحضّر، كما هي الحال في أغلبيّة الدول الأوروبيّة والغربيّة، باتت ساحقة، باعتبار أنّ كرامة الطفل باتت في الدول المُتقدّمة في طليعة الإهتمام، حيث الصراخ ممنوع والتأنيب ممنوع، وحيث حقّ التلميذ باللعب وبالراحة محفوظ، فلا درس في المنزل لأكثر من نصف ساعة يوميًا، ولا فروض منزليّة في نهاية الأسبوع أو في أيّام العطل، إلخ.

أكثر من ذلك، إنّ بعض أساليب الإدارة التعليميّة في بعض المدراس الكاثوليكيّة في لبنان غير موضوعيّة ولا مُنصفة، وهي تفتقر إلى أدنى قواعد علم النفس وسُبل التعامل مع الأطفال والتلاميذ، خاصة من أصحاب الشخصيّات المُرهفة والحسّاسة من بينهم، حيث يتمّ مثلاً في بعض المدارس الكاثوليكيّة إذلال التلاميذ الصغار بشكل علني أمام رفاقهم، من خلال القول لهم إنّ نتائجهم المدرسيّة مُتراجعة، والطلب منهم الوقوف في موقع متأخّر نسبة إلى باقي رفاقهم في الصفّ، وذلك إلى جانب مُشاغبي وكسالى الصفّ، والطلب منهم التصفيق لتهنئة زملائهم، وذلك لأنّ علاماتهم المدرسيّة تراجعت، حتى لوّ بنسبة طفيفة لا تتجاوز الأعشار من النقطة الواحدة! ولا مُبالغة في ما أرويه، حيث أنّني عايشته في تجربة شخصيّة مع إبنتي التي تراجع مُعدّلها من 15,77 إلى 15,62 على 20، وكان تبرير الراهبة المسؤولة أنّ التلميذ الذي يتقدّم خلال ​العام الدراسي​ يستحقّ دائمًا التهنئة، حتى لو كانت نتائجه أصلاً مُتواضعة، أمام التلميذ الذي تتراجع علاماته، حتى لوّ بشكل طفيف، وحتى لو نال أعلى العلامات، يجب تنبيهه وحثّه على عدم التراجع!.

في الخُلاصة، ليس المطلوب أن يدفع التلاميذ ثمن السعي القاسي لمُعلّمة لإرضاء الراهبة المسؤولة عنها بعلامات تلاميذها المُرتفعة، وليس المطلوب أن يدفع التلاميذ ثمن السعي القاسي لراهبة مسؤولة لإرضاء الراهبة الأم، بأنّ مُعدّل علامات القُسم الذي تُديره قد إرتفعت منذ تسلّمها مهمّاتها! وبالتالي، على أعلى المسؤولين التربويّن في المدارس الكاثوليكيّة، العمل سريعًا على مُعالجة بعض الثغرات التي تُشوّه السمعة المُمتازة لهذه المدارس، وذلك عبر تثقيف الكادرات التعليميّة والإداريّة، من راهبات ومُعلمين ومُعلّمات وإداريّين، إلخ. وإخضاعهم جميعًا لدورات مُتخصّصة بشأن أساليب التعامل مع الأطفال والأولاد، وكذلك عبر تطبيق مناهج وأساليب مُعتمدة في الدول الأوروبيّة والغربيّة المتطوّرة، لجهة منع الصراخ كليًا، ومنع أساليب العقاب والإذلال على أنواعها، وإزالة أجواء الرعب والتخويف من حرم المدارس، ولجهة التعامل مع التلاميذ-بكل فئاتهم العمريّة، كأشخاص يستحقّون الإحترام الكامل، منذ نُعومة أظافرهم حتى لحظة رمي قُبّعات تخرّجهم.