إنضم برينتون تارانت الى لائحة ​الإرهاب​يين التي تزرع الكراهيّة بين الأديان في ​العالم​. مجرم وقاتل اختار نيوزلندا مسرحا لإرهابه الذي نُقل على الهواء مباشرة وشكّل صدمة لكل من شاهده. انطلق من خلفيّة مزروعة بشكل خاطئ في دماغه، كما فعل قبله مجرمون كثر جعلوا الدين "حجّة" ل​تفجير​ أمراضهم العقلية والنفسية.

لا يختلف المحلّلون النفسيّون كثيرا في حديثهم عن دوافع وأسباب ارتكاب جريمة مماثلة، اذ يرى الاختصاصي في علم النفس ​محمد بدرا​ أن ما فعله تارانت يتأتى من تشابك بين الصورة المحفورة برأسه عن ​الإسلام​ والمسلمين، ومأزق نفسي كبير يعيشه، مشيرا الى أن ارتكابات الجماعات المتطرّفة التي تدّعي الإسلام قدّمت صورة سيّئة عن هذا الدين، فتلقّفها المجرم لتلتقي مع ما يعانيه من أزمة نفسيّة حادّة اوصلت الى هذه الجريمة المروعة.

يعتبر بدرا في حديث لـ"النشرة" أن الكتابات الموجودة على أسلحة المجرم تدلّ على معرفته التاريخيّة العميقة بالمعارك الدينيّة التي دارت بين الامبراطوريّة العثمانيّة و​أوروبا​. ويضيف: "اذا المجرم تأثر بما يُعرف بـ"الاسلاموفوبيا" وبنفس الوقت لديه معرفة تاريخيّة بالمعارك الدينية ويملك الشخصيّة المريضة المستعدّة للتوجّه نحو ​العنف​".

يحتاج المجرم لأن يجد الأعذار لجريمته، أيّ أنْ يبررها لنفسه ويحاول تبريرها لغيره أيضا، وهذا ما فعله، اذ وجد العذر التاريخي والصراع الديني وفجّر مأزقه النفسي. ويشير بدرا الى أنه ولتبرير عمله عليه أن يجد "​الثبات​" أيّ التوازن بين مجموع الميول العدوانيّة والواقع الذي يعيشه، فكانت النتيجة أن قتل الناس الأبرياء.

اما بالنسبة لارتكاب الجريمة وتصويرها ونقلها بشكل مباشر الى العالم، فإنّ هذا الفعل يندرج بحسب بدرا بسياق المبررات التي صاغها المجرم لنفسه ويحاول إقناع الآخرين بها، مشددا على أنّ أيّ قاتل "جماعي" يسعى من خلال جريمته لإرسال رسالة الى العالم، وهذا ما فعله قاتل نيوزلندا.

"لن تُنسى هذه الجريمة قريبا لأنها ستسبب جرائم اخرى في مكان مختلف من العالم"، يقول بدرا، مشيرا الى أنّ العنف لا يخلق الا العنف، وما نشاهده اليوم سببه انتشار العنف في منطقة ​الشرق الأوسط​ في السنوات الماضية، متخوّفا من عمليّات انتقاميّة قريبة تطال أقليّات مسيحيّة في مناطق مختلفة مثل مصر على سبيل المثال، وحتى في ​اوروبا​. ويضيف: "لا شكّ أن أجهزة المخابرات حول العالم تستفيد من هذه العمليّات لتغذية الصراعات الدينيّة، وتقسيم المناطق وتهجير الأقليّات، الأمر الذي حصل في ​العراق​ ومصر وسوريا".

منذ انتشار ظاهرة الارهابيين المتطرّفين في مناطقنا علت التحذيرات من ردّات فعل عنفية سوف تنتشر في العالم، شاهدنا بعضها في اوروبا، وها هي اليوم تنتقل الى نيوزلندا، وبالتالي بات لزاما البحث عن حلول قبل فوات الأوان وسيطرة العنف، ومن أهمّ الحلول التي يمكن العمل عليها بحسب بدرا تبدأ من خلال بذل الجهد على مستوى المرجعيات الروحيّة، الاسلاميّة و​المسيحية​، لتخفيف خطاب الكراهيّة ونشر خطاب التسامح، وتعرّف المسيحي على المسلم والعكس، وذلك بصورة صحيحة تعكس حقيقة الاديان القائمة على التسامح و​المحبة​ وتقبّل الآخر، بالاضافة الى إدخال مواد جديدة ضمن المناهج التربويّة تربّي ​الطلاب​ على القيم الانسانية السليمة.

في ​باريس​ العام 2015 اقتحم مسلّحون مسرح "باتاكلان" واطلقوا النار بشكل عشوائي، واحتجزوا رهائن، وقتلوا حوالي 90 شخصا، وبالأمس القريب حصلت جريمة نيوزلندا التي لا شك تُعتبر ردًّا ولو بشكل غير مباشر على ما حصل في ​فرنسا​، وهنا لا يمكن الا التمسّك بالمبدأ القائل "أن الإرهاب لا دين له"، على أمل ألاّ نكون قريبا امام جريمة انتقاميّة جديدة.